تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مسبق الصنع

إضاءات
الثلاثاء 6-1-2015
سعد القاسم

أواسط التسعينات كان طلاب المعهد المسرحي يقومون بتقليد أساتذتهم على خشبة مسرح الحمراء في إطار احتفاليتهم بيوم المسرح العالمي ، ولما وصل الدور إلى أحدهم سخر الطلاب من ميله إلى العمل التلفزيوني وهو الخريج المسرحي ..

كانت هذه السخرية في واقع الأمر تترجم ما يشبه التهمة، وقد ربطتها به أوساط مسرحية وثقافية ذات حضور مؤثر في محيطها، وفي الإعلام . والطريف أن بعض من شارك في هذه السخرية المسرحية من التلفزيون، لم يقف على خشبة المسرح ولا مرة واحدة بعد تخرجه من المعهد المسرحي . والأطرف أن معظم المسرحيين الذين أخذوا على زميلهم ميوله التلفزيونية، وروجّوا لمآخذهم تلك، اتجهوا إلى الأعمال التلفزيونية بكامل طاقتهم، وجعلوا المسرح في درجة متدنية من اهتمامهم..‏

في تلك الأيام كان يعرض مسلسل تلفزيوني محلي،ويلقى صدىً طيباً واسعاً بين الناس .وصادف أن أجرت صحفية لقاءً مع الفنان ذاته سألته فيه عن ( تهمته التلفزيونية) فأجاب مشيراً إلى هذا المسلسل: «أنا لا أستطيع أن أقول لأبطاله لماذا عملتم في التلفزيون ولم تعملوا في المسرح !!..».. كان هذا الجواب الذكي يختصر مفهوماً واضحاً عن الفن لم يكن يجد صداه الذي يستحق في ظل شيوع مفاهيم سائدة في الأوساط الثقافية تتحدث عن المسرح باعتباره محراب الفن المقدس، بحيث يصبح أي عمل مسرحي، مهما تدنى مستواه، في موقع أسمى من أي عمل تلفزيوني، مهما ارتفع مستواه، وبحيث يكون نوع العمل، أو مكانه، هو المقياس لا سوية العمل..‏

الأمر هنا لا يتعلق بالتفضيل بين نوعين فنيين، وإنما بمواقف مسبقة من العمل الفني، ومن مسائل أوسع بكثير من إطاره، هي مواقف شائعة للغاية تتسم بالجمود والتعنت وغياب المحاكمة، والاكتفاء بترديد مقولات أطلقها أحد ما، في مكان ما، بمناسبة ما. دون بذل أدنى جهد لمناقشتها..ليس بسبب الكسل وحده، وإنما أساساً بسبب العجز عن المحاكمة العقلية، بحكم الاعتياد على التلقي، أو ضحالة المعرفة، أو كليهما معاً..‏

وإذا بقينا في الإطار الفني فسنجد من الشواهد ما لا يمكن حصره، فالرأي في عمل فني، أو فنان، كثيراً ما يُصنع خلال ثرثرة عابرة في مقهى، ليصبح حقيقة غير قابلة للنقاش، خاصة إذا جاء من شخص يملك القدرة على التأثير بالآخرين، وإيهامهم بسعة معرفته، وصواب أرائه. ولا أنسى الدهشة التي اعتلت وجوه طلاب جامعيين مهتمين بالفن حين تحدث الراحل سعد الله ونوس في لقاء معهم ممتدحاً الفنان هاني الروماني، وكيف أنه قد ترك كلية الطب وهو على عتبة التخرج منها استجابة لموهبته الفنية.كان حديث سعد الله في معرض انتقاده الشروع كل مرة في إعلان ريادة فنية جديدة، وما يستتبع ذلك من تغييب مبادرات رائدة لفنانين هامين واجهوا بشجاعة واقعاً اجتماعيا صعباً حتى استطاعوا أن يفرضوا وجودهم ويمهدوا الطريق أمام من تبعهم على طريق الفن..غير أن الدهشة على وجوه الطلاب الحاضرين كانت بفعل ما حشيت به عقولهم من مقولات تستخف بكثير من الأسماء في الوسط الفني والثقافي فتبنوها دون أن يستبينوا صحتها، لأن من أملى عليهم مقولاته، اعتمد أساساً على جهلهم بما يحكي عنه..‏

قد تكون الثقة المفرطة بالذات، والعزوف بالتالي عن سماع الآخرين، سبب آخر للمشكلة. والأمر هنا لا يقتصر على طلاب صغار السن.ففي إحدى الندوات التلفزيونية حيث يفترض أن يسمع المشاركون أراء بعضهم ويتناقشون بها، كان أحدهم منشغلاً كلياً، بعيداً عن عيون الكاميرا، بتدوين ما سيقوله، غير مصغٍ على الإطلاق لما يقوله زملاؤه في الحوار.‏

و لم يجد حرجاً بعد ذلك بوصف الندوة أنها مثل (حديث الطرشان)..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية