ربما يستطيع ترامب أن يرأب الصدع ويفتح قنوات للتواصل مع روسيا بعد سنوات من التوتر شهدنا خلالها تدهوراً ملحوظاً في العلاقات بينهما،
إذ ما أن تحقق له النجاح في القمة مع كيم جونغ أون التي عقدت في سنغافورة قبل نحو أسابيع ثلاثة، حتى أبدى الرئيس الأمريكي رغبة ملحة في لقاء نظيره الروسي بهدف تحسين العلاقات الثنائية بين الدولتين العظيمتين في العالم، حيث تقرر عقد الاجتماع بين الزعيمين في العاصمة الفيلندية هلنسكي بتاريخ 16 تموز، على الرغم من تعارض ذلك مع المساعي التي تبذلها الدولة العميقة في الولايات المتحدة لعرقلة هذا اللقاء والحيلولة دون عقده بلجوئها إلى اختلاق أكاذيب وافتراءات حول ما يسمى قضية (روسيا جيت) التي يحقق بها روبرت مولر.
والسؤال الذي يتردد صداه في ضوء ما نشهده من أحداث على الساحة الدولية .. ما هي أولويات هذه القمة؟ يبدو بأن الرغبة تحدو ترامب لإقامة علاقات مثمرة مع بوتين، حيث يرى الرئيس الأمريكي بضرورة جلوس نظيره الروسي على الطاولة لمناقشة القضايا الدولية الحساسة والأكثر أهمية، بيد أنه من غير الواضح إن كان ترامب يسعى لعقد اتفاق يتم بموجبه التعاون بين الطرفين بشأن قضايا وضعت على الأجندة كـ: سورية وإيران وأوكرانيا والعلاقات الثنائية.
لا ريب بأن الأزمة في سورية ستحتل قمة سلم الأولويات في اللقاء المزمع حدوثه، إذ تبين بأن المحادثات لوقف النزاع حالت دون حدوث اشتباكات أمريكية-روسية، لكن المعركة بين القوات السورية وحلفائها الروس من جهة والقوات المنضوية تحت القيادة الأمريكية التي تحاول السيطرة على حقول النفط في مدينة دير الزور شهر شباط الماضي أسفرت عن مقتل 200 شهيد، ما يؤكد قيام توتر بين الدولتين وخطورة الوضع الراهن.
كما أن إيران ستكون من أولويات هذه القمة أيضاً، لسببين: أحدهما تحالفها مع سورية والثاني نتيجة لانسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة التي وقعت عليها روسيا، وقد وجه الرئيس الروسي النقد إزاء التصرفات الأمريكية لذلك ربما يسعى للعب دور في إيجاد حل للقضية الإيرانية تقبل به الولايات المتحدة.
ومن المؤكد بأنه سيتم مناقشة أزمة أوكرانيا التي كانت سبباً في فرض العقوبات على روسيا، ولاسيما بعد إقرار ترامب في قمة السبعة التي عقدت في الكيبك الشهر الفائت بأن شبه جزيرة القرم روسيّة لأن شعبها يتكلم ذات اللغة، لذلك ثمة احتمال كبير أن يعمد الرئيس الأمريكي لرفع العقوبات المفروضة على موسكو بشكل أحادي الجانب بعد أزمة القرم.
وسيناقش الزعيمان قضية نزع السلاح النووي إذ أن إنهاء معاهدة القضاء على الصواريخ متوسطة المدى وقصيرة المدى سيكون له عواقب وخيمة على معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية الهجومية التي تنتهي عام 2021، حيث من المتوقع أن يعمد الرئيسان لتمديد العمل بموجب الاتفاق لمدة خمس سنوات من خلال إجراء تنفيذي تنص عليه أحكام المعاهدة.
لم يكن ترامب بالرئيس الأول الذي يسعى لبناء علاقات بناءة مع القادة الروس، إذ سبق لبيل كلينتون أن سعى لفتح قنوات اتصال مع بوريس يلتسن، وسعى بوش أيضاً للقيام بذلك مع بوتين. كما قامت علاقات صداقة بين باراك أوباما وديميتري ميدفيدف، لكن يعتبر ترامب الشخص الوحيد الذي سعى لعقد قمة مع الرئيس الروسي وجعل ذلك في سلم أولوياته.
يتطلب نجاح القمة بالضرورة تجاوز ترامب لما ينهج إليه المحافظون الجدد الذين يرون بأن روسيا هي الطرف المعرقل للهيمنة الأمريكية على العالم، ذلك لأن المحافظين الجدد يعتقدون بشكل جازم بضرورة مناهضة أي دولة تحاول الوقوف في وجه التفرد الأمريكي، وهم في ذلك يرون بأن روسيا تمثل تحدياً للنظام العالمي الأمريكي لأنها تقف في وجه الأحادية القطبية للولايات المتحدة، وفي هذا السياق، نتساءل، هل بإمكان ترامب التغلب على تلك العقيدة التي حذّر منها الرئيس ايزنهاورعام 1961؟
في مقابلة للسيد الرئيس بشار الأسد مع قناة إن تي في الروسية قال بأن إجراء محادثات مع الأمريكيين ومناقشتهم (مضيعة للوقت)، وأنه (منذ بدء التفاوض مع الولايات المتحدة عام 1974 لم يتحقق أي شيء في أي موضوع، موضحاً أنه لا بوادر لتغير ذلك قريباً)، وأضاف بأن(المشكلة مع الرؤساء الأمريكيين هي أنهم رهائن لدى مجموعات الضغط لديهم، المتمثلة بوسائل الإعلام الرئيسية، الشركات الكبرى، المؤسسات المالية، شركات النفط والأسلحة، وغيرها)، ورأى أن الأمريكيين يستطيعون قول ما نرغب بسماعه، لكنهم سيفعلون العكس، مستطرداً (هذا هو الحال وهو يزداد سوءاً والرئيس دونالد ترامب مثال صارخ على ذلك وبالتالي فإن التحدث إلى الأمريكيين ومناقشتهم الآن دون سبب، ودون تحقيق شيء، مجرد إضاعة للوقت).
إن أكبر دليل على أن الأمريكيين يقولون ما لا يفعلون الانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية التي وقعت عليها العديد من الدول في عام 2015، لذلك فإن التفاؤل بنتائج هذه القمة مشوب بالحذر والشكوك إذ طالما أبرمت واشنطن اتفاقيات على مدار تاريخ الولايات المتحدة ولم توف بها، لكن النتيجة الأكثر ترجيحاً للقمة تتمثل بإعلان الرئيسين نجاحها والاتفاق على بدء المسؤولين بالعمل على حل عدد من القضايا الخلافية.