فسجل واشنطن بجرائم حقوق الانسان لا تعد ولا تحصى بدءاً من إلقاء القنابل الذرية على اليابان في مدينتي هيروشيما وناغازاكي إبان الحرب العالمية الثانية وصولاً إلى التاريخ الناصع السواد في حرب فيتنام وما تلاها من كل الحروب التي خاضتها واشنطن في العراق وتخوضها في أفغانستان وصولاً الى الجرائم البشعة التي ترتكبها بين الفينة والأخرى في سورية واليمن وليبيا، إضافة إلى ما ترتكبه السلطات الأميركية من ممارسات لا أخلاقية بحق مواطنيها السود والتي يدمى لها جبين البشرية فضلاً عن الانتهاكات القائمة على التمييز العنصري ضد العرب والمسلمين.
رغم كل هذا السجل الأسود في انتهاكات حقوق الإنسان لا تزال أميركا تتحف دول العالم بتقاريرها السنوية عن حقوق الإنسان وتستخدم هذه التقارير شماعةً للتدخل في شؤون الدول الأخرى وفرض سياستها الانتقائية ذات المعايير المزدوجة حتى على المؤسسات الأممية ذات الصلة، وإذا لم تسر هذه المؤسسات حسب رغبات واشنطن وتعليماتها فإنها تذهب باتجاه إما الانسحاب منها أو معاقبتها بعدم دفع مستحقاتها والتزاماتها المالية المترتبة عليها.
بالأمس القريب انسحبت واشنطن من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بحجة أنه متحيز ضد إسرائيل ومعاد لها وكأن الأخيرة ذات سجل أنظف من سجل حليفتها في هذا المجال، والسبب هو قيام المجلس برفع تقرير يؤكد قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بقتل عشرات الفلسطينيين عمداً خلال مسيرات العودة في قطاع غزة، وبذلك تنسحب واشنطن من مسؤولياتها تجاه حقوق الإنسان، غير آبهة بالانتقادات التي تعرضت لها من الشركاء الأوروبيين الذين تعاقبهم واشنطن اقتصادياً على طريقتها بسبب تمسكهم بالاتفاق النووي مع إيران.
كل الدول التي تدور في الفلك الأميركي تغطي واشنطن على جرائمها وانتهاكاتها في مجال حقوق الانسان وحتى التقارير التي تكتبها وتعدها بحق هذه الدول تبقى طي الدروج الصدئة للبيت الأبيض كما هو الحال مع الموقف الأميركي تجاه ملف حقوق الإنسان في السعودية وقطر وحتى بورما. أما إذا كانت هذه الدول مناهضة لواشنطن وإسرائيل فلا ضير من التلفيق والتسييس والتدليس كما هو الحال مع التقارير الجاهزة لانتهاكات حقوق الإنسان التي تصدر عن وزارة الخارجية الأميركية الخاصة بالحقوق تجاه الصين وكوريا الشمالية وإيران وروسيا وغيرها.
لو تذكرت واشنطن انتهاكاتها لحقوق الإنسان في سجن أبو غريب في العراق ومعتقل غوانتنامو وغيرهما ربما لأقلعت عن ادعائها الحرص على حقوق الإنسان، ففي تاريخها الحديث انتهاكات لا حصر لها لخصوصية الأفراد والدول عن طريق عمليات الرصد والتنصت طويلة المدى وبشكل مكثف على الاتصالات داخلها وخارجها على حد سواء، وكل ذلك يخالف القانون الدولي وينتهك حقوق الإنسان. أما على صعيد التعدي المباشر والعلني على بلدان ذات سيادة وإزهاق أرواح آلاف المدنيين فحدث ولا حرج والضربات الجوية بطائرات من دون طيار تشهد بذلك وتشمل هذه الهجمات كلا من باكستان واليمن وأفغانستان والعراق وسورية وغيرها من البلدان، ما تسبب في سقوط آلاف المدنيين عدا تهديم المدن والقرى كما جرى في الرقة السورية التي تجاوزت فيها نسبة الدمار 90 بالمئة.
أما بخصوص مواطنيها فإن التمييز بحق السود لا يتوقف على جريمة أسبوعية فقط وتؤكد الدراسات الأميركية نفسها أن السجون الأميركية هي الأمكنة التي يتم فيها أكبر تجاوز لحقوق الإنسان في العالم ويعامل موظفو السجون المعتقلون معاملة مهينة، خاصة السود والمهاجرين والنساء، الذين يتعرضون لكثير من عمليات التعذيب، فالمواطنون السود الذين يمثلون 12% من سكان أميركا يشكلون 42% من المسجونين، وتعود هذه الفجوة الكبيرة إلى السود هم الأكثر فقراً، كما أنهم الفئة الأكثر تعرضاً للظلم في توزيع الناتج الوطني. وينعكس هذا التمييز العنصري على النظام القضائي، إذ يحكم السود والمهاجرون بعقوبات قصوى في الدعاوى التي يحاكمون بها.
تقول بعض التقارير إن التعذيب والعنف داخل أميركا أصبح «نمط تعامل» وليس مجرد ممارسة عشوائية، فالممارسات اللا إنسانية المطبقة في السجون تطبق في الشوارع على الفقراء والسود والمهاجرين. ولا ينجو الأطفال من تلك السياسة اللا إنسانية، حيث تكشف الدراسة عن تعرض الأطفال لانتهاكات خطِرة لحقوقهم، حيث يتعرضون للتعذيب أثناء وجودهم رهن الاعتقال.
من الجدير ذكره هنا أن أميركا هي الدولة الثانية إلى جانب الصومال التي لم توقع بيان حقوق الطفل الصادر عن هيئة الأمم المتحدة، بالإضافة إلى معاهدة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومعاهدة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ومعاهدة حقوق المعوقين وغيرها ما يعتبر سلسلة من الاتفاقيات الأساسية الأممية المتعلقة بحقوق الإنسان فيصح القول هنا رداً على هذه الازدواجية الأميركية:» لا تنه عن خلق وتأتِ مثله...»