«المقدمة في الكتاب في رأي الدكتور ثائر زين الدين هي واحدة من العتبات الرئيسة للنص، هذا إذا ما تحدثنا عن الجانبين المعنوي، والفني. فكم من مقدمات كان لها أثر كبير في وضع مفاتيح أدبية، وفنية،
وفكرية بين أيدي المتلقين، وكم من مقدمات أيضاً كانت زائدة، ولا معنى لها، أو كشفت ما لا يُفترض أن يُكشف في الكتاب، بمعنى أنها رفعت الستار عن أشياء كان من المفترض أن تبقى مكتومة كنوع من أنواع التشويق أثناء القراءة.
والمقدمة قد يكتبها المبدع نفسه؛ فيضيء على بعض الأشياء المهمة في كتابه، وقد يكتبها شخص آخر، قد يكون كاتباً كبيراً، أو أديباً كبيراً، أو شخصية مهمة يعترفُ الكاتبُ بفضلها في جانب ما.
وفيما يتعلق بدور المقدمة في التسويق للكتاب فأنا أرى بأن هذا الأمر غير مهم بقدر المسائل الفنية والمعنوية, نعم قد يلجأ كاتب ما إلى طلب كتابة مقدمة لكتابه من شخصية كبيرة بحيث يستفيد من المبدع في تسويق كتابه بين القرّاء، ولكن تبقى هذه المسألة مسألة صغيرة، ويُفترض ألا يتخذ بها.
وفيما يتعلق بضرورة المقدمة، فهي، من وجهة نظري، ليست ضرورية، قد تكون مهمة في أحوال كثيرة كما هي الحال مثلاً في الأطروحات العلمية، وأطروحات التخرج كالماجستير، والدكتوراه، إذ يجب على الباحث هنا أن يبسط موضوعه بشكل جيد أمام القارئ والمحكّم، فيحدد ما وصل إليه الباحثون من قبله، ويحدد المسألة الرئيسة التي يبحث فيها، والأمور التي وصل إليها في مقدمته قبل أن يسمح للقارئ بدخول متن النص, لكن في الكثير من الكتب الإبداعية لا ضرورة للمقدمة، كما هي الحال في المجموعات الشعرية مثلاً، فالشعر، من وجهة نظري، لا يحتاج إلى مقدمة، بل يجب عليه أن يقدم نفسه، وكذلك الحال مع القصة القصيرة والرواية.
أما بخصوص إن كانت المقدمة حالة تطفل فأنا لا أرى ذلك لأن الكاتب هو من يسمح لشخص ما أن يقدم له، أو قد يقوم الكاتب بكتابة مقدمته، وعليه ينبغي للكاتب ألا يسمح لأحد بالتطفل عليه، أو فرض نفسه، ولاسيما على مقدمة كتابه».
يغلب عليها طابع المجاملات
و للدكتور جمال ابو سمرة رأيه:
«يلهث غير قليل من الكتّاب المبتدئين أو أنصاف الموهوبين أو من الموهوبين أحياناً إلى كتاب أو أكاديميين من ذوي الشهرة أو ممّن ذاع صيتهم في عالم الأدب والكتابة بهدف منح أنفسهم المشروعيّة، ونزع الاعتراف بموهبة تظهر للمرّة الأولى على العلن، وهو أمر مشروع تعود جذوره إلى تراثنا العربي القديم، عبر إجازة الشاعر للشاعر والأديب للأديب...إلخ، ويؤدّي هذا الأمر في غير قليل من الأحيان دوراً تداوليّاً تسويقيّاً، ولاسيّما عندما يكون المُقدّم للعمل من ذوي الشأن والمقروئيّة، وله متابعوه ومريدوه جماهيريّاً، وبهذا يختصر الأديب الناشئ شوطاً طويلاً ويوفّر على نفسه جهداً كبيراً، وغياباً قد يستمر عقوداً، هذا إذا آمنا أنّ الكاتب والمقدِّم له من ذوي الموهبة التي تصمد مع الزمن..
فنحن اليوم أمام غياب أو تغييب للأسماء الكبيرة، فلم نعد نشهد تلك الجماهيريّة التي تؤمن بالأديب الفرد الذي كان حتى عقود قريبة يسيطر على المشهد العام..
وهنا يمكن أن نطرح التساؤل المشروع: هل المبدع اليوم بحاجة إلى من يقدّم له كتابه أو أدبه أو فنّه، إذ أصبح بالمستطاع عبر تأثير السوشيال ميديا أن يقدّم لنفسه بالوسائل المتنوّعة بالصوت والصورة وحتّى عبر الفيديو، وهو ما يشكّل حالة تسويقيّة من الكاتب للكاتب نفسه..
أمّا التقديم بصورة عامّة فلم يعد ذا حاجة ملحّة أو ضروريّة إلا مع ابتداع شكل فنّي جديد وهنا تغدو المقدمة أو كلمة الغلاف بمنزلة إضاءة يستهدي عبرها المتلقّي، وتشدّه ليسبر أغوار هذا الفنّ أو معالمه الجديدة إن كان ثمة جديد..
الحالة اليوم مع المقدمّات التي تملأ الكتب وأغلفتها لاتعدو كونها ذات قيمة تسويقيّة يغلب عليها طابع المجاملات ومحاولة تجميل القبيح، والإيهام بوجود الأدب أو الفن ذي القيمة، وفي الحقيقة لا شيء ممّا ذكر أو من بعضه على أقل تقدير، ومن الملفت للنظر وجود بعض الأشخاص الذين يرغبون في تصدّر أسمائهم أغلفة الكتب الخلفيّة أو تُذيّل بها مقدمات الكتب بغية الشهرة وذيوع الصيت..
وفي النهاية ليست المقدّمات من يجعل من الكتاب ذا قيمة إذ سرعان ما سيكتشف القارئ الجيد الحقيقة مع ولوج عتبات الكتاب الأولى... ومن ثم فإمّا أن يكون هناك إيمان مطلق بصاحب الكتاب وبمن قدّم له، وإمّا أن يسقط الاثنان معا... فالمسألة في غاية الحساسيّة والخطورة...».
تلخيص يوجز فكرة الكتاب
حدثنا الدكتور جورج جبور قائلاً:
من المفترض أن المقدمة تقدم للكتاب بتعريف ظروف تصريفه, واحاطة القارئ بمواضيعه العامة, هذه المهمة ليست ترويجية بل هي تلخيصية توجز فكرة الكتاب, الا أن ثمة مقدمات تشجيعية.
أذكر أنني طلبت إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمر موسى أن يكتب لي مقدمة الطبعة الثانية لكتاب (وعد بلفور), كي يسهل على الكتاب التجول في البلاد العربية, لاسيما أنه يخاطب الملوك والرؤساء العرب لحثهم على الاهتمام بالذكرى السنوية لوعد بلفور.
ومن جهة أخرى أتلقى من بعض الأصدقاء الذين يحسنون الظن بي طلبات لأقدم لهم كتبهم, حصل هذا الأمر عشرات المرات أحياناً كانوا يضعون اسمي على الغلاف وأحياناً لايفعلون, لكنني في معظم الحالات وليس كلها كنت أكتب مقدمة من وحي ما جاء في الكتاب، مشيداً بما فيه من إيجابيات, ومتغاضياً في كثير من الأحيان عما فيه من سلبيات, في أحيان قليلة إذا كان الكتاب كبير الحجم وكان وقتي ضيقاً, كنت أطلب من المؤلف إعداد مسودة أتطلع عليها, وقد أوافق على ما ورد فيها بكامله, وقد أعدل فيها, وقد لا استثيغها.
المكتوب يعرف من عنوانه
عملية التقديم للكتب لدى الشاعرة هيلانة عطالله هي حالة قديمة وجديدة في آن, قديماً غالباً ما كان المؤلفون حديثو العهد بالكتابة يلجؤون إلى أساتذتها أو إلى الذين تأثروا بأدبهم ليقدموا لكتبهم التي سترى النور.
وحالياً في العصر الحديث مازالت هذه العادة قائمة وإذا أردنا أن نتحدث حول شرعيتها فقد يتجاذبنا الأمر ما بين الإيجابية والسلبية، فمن حيث المبدأ يقوم من يقدم الكتاب بتسليط الضوء على متن ما ورد في هذا الكتاب وخاصة إذا كان ناقداً فإنه يزيح الستار عن بعض القضايا المتعلقة بالمبنى والمعنى لهذا الكتاب، وقد تؤدي مهمة التقديم إلى حالة التشويق لاجتذاب القارئ لأن المقدمة غالباً ما تشكل للمتلقي عتبةً للدخول في عوالم الكتاب.
وهناك من يقول عن التقديم إن المكتوب يعرف من عنوانه, وعلى جانب آخر فإن البعض مع التأكيد على كلمة البعض يلجأ إلى الترويج لنفسه من خلال التماس الشهرة بأن يقدم أحد اللامعين بالتقديم لكتبهم وقد تكون هذه الكتب ليست على جانب من الإبداع أو الفنية فيحاولون التستر وراء المقدمة من قبل أحد الكبار، وهنا فإني أرى أن من يريد التصدي لكتابة مقدمة لأي كتاب عليه أن يتحلى بالمسؤولية والصدق وأن يبتعد عن المديح أو المجاملات لتسويق الكتاب لأنه في هذه الحالة قد يترك أثراً سلبياً على المشهد الثقافي أو الإبداعي.