وعلى الرغم من أن الأمسية حملت عنوان (أمسية موشحات أندلسية)، فإن ماتمّ تقديمه في الأمسية موشحات مشرقية لموسيقيين سوريين ومصريين. وهذا الالتباس يقع فيه دائماً الموسيقيون. فالموشحات الأندلسية هي التي نظمت ولحنت في الأندلس أيام عز الدولة العربية فيها، والتي لم يصلنا منها إلا بعض النصوص الكلامية غير الملحنة، أما الموشحات الموجودة حالياً فهي موشحات مشرقية ليس فيها من الموشحات الأندلسية إلا اسمها.
اتبع صلاح القباني في الأمسية اسلوباً جديداً في الغناء، حيث شارك مطربين اثنين دفعة واحدة، هما عدنان حلاق وعبد الرحمن عبد المولى. فكان يغنيان معاً تارة، ويتناوبان على الغناء الإفرادي تارة أخرى سواء في عمل غنائي واحد أو في عملين مختلفين. فكنا أمام مباراة بين المطربين في الأداء، كل منهما يريد تأكيد علو كعبه.
بدأت الأمسية - كما التقليد القديم - بسماعي من مقام الرصد للموسيقي التركي طاطيوس، ثم استمعنا إلى وصلة موشحات من نفس المقام لسيد درويش، من أشهرها (يا عُذيب المرشف) و(العذارى المائسات)، تناوب المطربان والكورس على أدائها. ثم ارتجل عدنان حلاق أبياتاً شعرية مطلعها (نعم سرى طيف من أهوى فأرّقني) من قصيدة (البردة) للإمام البوصيري، فأبدع في أدائها، وكشف عن قدراته الصوتية الكبيرة صعوداً وهبوطاً وما بينهما من تلوين في استخدام عربه الصوتية، فانتزع إعجاب الجمهور.
بعد ذلك قدم المطربان دور (يللي تشكي م الهوى) كلمات أحمد رامي، ولحنه زكريا أحمد عام 1932، وقدمته أم كلثوم، وتناوب المطربان على أداء مقاطع الدور، وكانت الأرجحية لعدنان حلاق الذي تميز - كما ذكرت - بقدرات صوتية تفوق قدرات عبد الرحمن عبد المولى. ومن فقرات الأمسية وصلة موشحات ثانية، وللأسف لم يذكر البرنامج أسماء ملحنيها، وهذا خطأ كبير. ومن أجمل هذه الموشحات (محبوبي اقتصد نكدي) لأبي خليل القباني، وأخطأ المطرب حين لفظ المطلع (محبوبي قصد نكدي). ثم جاءت موشحات من مقام الحجاز أجملها وأشهرها (يا فاتن الغزلان اسمح وكلمني) الذي ينسبه البعض لأبي خليل القياني، ويعتبره البعض الآخر مجهول الملحن، مهما يكن فالموشح رائع، وهو يقترب بثقل لحنه من الدور، وقد أبدع عدنان حلاق مرة ثانية حينما أدى المقطع الذي يقول:
الليل عليّ طال.. والدمع سلسل سال
والقلب لكْ ميّال.. حبك مجنّني
تلاعب عدنان حلاق بصوته بشكل سحر الجمهور، وهو يتبادل الغناء مع الكورس. ويكمن أن يكون خليفة صباح فخري في هذا الغناء الصعب.
وكان الختام شعبياً مع وصلة من القدود الحلبية، ضمت (ملكتم فؤادي) و(هيمتني) و(على العقيق اجتمعنا) و(البلبل ناغى)، لتُختتم الأمسية وسط تصفيق شديد من الجمهور الذي يريد المزيد.
ولابد من التوقف عند الأداء الموسيقية للفرقة فقد كانت الموسيقا صافية جميلة متوازنة مع الغناء وبين آلاتها، فكنا نستمع إلى تفاصيل عزف الآلات دون طغيان الإيقاع عليها، كما يحدث في أمسيات أخرى. واستمعنا خلال فقرات الأمسية إلى عزف إفرادي بديع، فسحرنا زياد قاضي أمين بعزفه على الناي، ثم صلاح القباني بتقاسيمه البديعة على القانون، والمثنى علي بتفريداته على الكمان. وفي الواقع فقد أحسن صلاح القباني - رئيس الفرقة - حين جلس مع الفرقة يعزف على القانون فأغنى الموسيقا، وأثبت أن قيادة الفرقة لاتحتاج إلى الوقوف وإعطاء الظهر للجمهور.