تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


شعر...في «بيانٍ» لمرامياتها...الشاعرة مرام النسر.. تُسجل قصيدتها في ديوان الشعر السوري

ثقاقة
الاربعاء 23-3-2016
علي الراعي

لله درُّ رحيقهِ كيف اصطفاهْ..؟

قاومتُ قبل مجيئه كلَّ الشفاه‏

أقلعتُ عن حبِّ الزهور ولم أعدْ‏

من بعد ذاك الطيف أحلمُ بالمياه‏

منذ أولى قصائدها، تُناكف الشاعرة مرام دريد النسر الحبًّ، تُناكده تماماً كطفل تعلق بأذيال فستان أمه،‏

‏‏

ومن ثمّ راح يُطالبها بتنفيذ عشرات الأمنيات، وحتى الأحلام؛ ذلك ما تُشكّلُّ أغلب شواغل الشاعرة النسر في مجموعتها التي عنونتها ب «مراميّات» الصادرة حديثاً عن الهيئة العامة للكتاب - وزارة الثقافة السورية، والتي تذهب صوب غنائية طالما كانت ميزة الشعر منذ قديم القول الشعري في هذا العالم؛ الذي أطلق عليه «العالم العربي»، صحيح أن ثمة شواغل أخرى لـ «مراميّات» مرام النسر، غير أنها لم تبتعد عن حالة ذلك «الحب» المُشتهى الذي تهفو إلى مناله تماماً بكلّ شراسة وعناد ذلك الطفل الذي يتعمشق بذيل فستان أمه ويروح طول الوقت «ينكوشها» لتحقق له تلك الأماني.‏

‏‏

من تلك الشواغل أيضاً؛ الوطن المُشتهى هو الآخر، وكذلك العائلة المُشتهاة؛ وقد أصابهما التشظي بهذا الابتلاء الذي أصاب الوطن من جهاته الست بكل حقد البداوة والثأرية العدوانية، و لأنّ الأمر كذلك؛ يُمكنُ أن نُفسرّ هذه «الأنا» المتدفقة على مدى القصائد ابتداء من عنوان المجموعة، والتي هي «أنوات» أو «مراميّات» لـ «أنا» وأنت، ونحن، وهم، و وستعدد الضمائر المنفصلة والمتشظية في زمن المحو والانهيار الكبير، وسيغدو الشعر الذي هو «هم شخصي» لكنه سيعني ويهم الجميع، والذي على هذا الكائن الممزق - الشعر - أن يُعادل فضاء آخر في وجه الموت.‏

كان الشتاءْ..‏

غطّى تلابيبَ المدينة بردُه‏

أضرمْتُ نار لفافةٍ‏

لا تعجبي..‏

فهي العزاءُ لعاشقٍ ضلَّ الطريقْ..‏

لا تسألي عني الربيعْ‏

هو آخر الآمال‏

من هنا أيضاَ؛ تذهب قصائد مرام النسر صوب الشعر الدرامي، ذلك الشعر الذي يُترجمُ الرؤية الوجودية، والكشف عن شعرية الحياة وحيويتهاالمتدفقة؛ وهذا ما تسعى إليه النسر في مجموعتها الجديدة، التي هي استمرار - وإن كان بوثبات أوسع - لمجموعتها «البيان» التي صدرت العام الماضي عن الهيئة العامة للكتاب - وزارة الثقافة.‏

ورغم كل هذا الانجدال بين واقع اليوم، وقصائد الشاعرة النسر؛ غير أنها اختارت لبوساً قديماً، لتأتي قصائدها على وقع الغنائية العربية منذ ما يُقارب من ألفي عام، ذلك الموزون الذي كنا نظن أنه فقد كل جمالياته الشكلية، غير أن ثمة - ومرام النسر منهم في أغلب قصائدها - من يجد في الجماليات الشكلية القديمة احتواءً لهمومٍ وجماليات إبداعية معاصرة، والشاعرة النسر؛ فيما اختارته من شكلٍ شعري لقصيدتها نجحت في أن تنجو من النظم وغاية القافية بحدّ ذاتها، لصالح نصٍّ شعري يُحاول أن يبدأ مسيرة القول من حرفية ومهارة ليصل لقصيدة معاصرة شكلاً ومضموناً، والبداية مع التأصيل هي لصالح قصيدة تبحث عن مكانها في ديوان الشعر السوري الذي أثبت غناه وتنوعه على مدى البياض ومدى الأيام، ولتنشد التجوال في الأعماق والمطلقات الشعورية والوجودية، وإن كانت تنطلق من هموم ذاتية، لكنها - كما ذكرنا - تلك الهموم التي تكاد - في زمن الخراب - أن تكون عامة وشاملة كقضاءٍ لاردّ له، أو لا لطف فيه.‏

من العشرين يا أبتِ قضينا‏

قريبَ العام أو أدنى قليلا‏

مضت عشرون يا أبتِ رداءً‏

على ما كان في أمسي نبيلا‏

ولم تعُدِ القصائد ذات وزنٍ‏

كما كانتْ عليه فلن أطيلا‏

و رغم أن شاغل الحب الذي كان غالباً الباعث في إنشاء عمارة القصيدة لدى مرام النسر، غير أن ثمة شاغلين آخرين، وإن بدا أقل مساحة على مدى المجموعتين الشعريتين اللتين هما اليوم يُشكلان القاعدة لانطلاقة القول الشعري لدى الشاعرة، وهما الوطن المهدد بهويته، وأيضاً الأسرة السورية - وان كان الانطلاق من أسرة الشاعرة نفسها - التي نكبت بأكثر من فقد، الوالد الذي توفي، والشقيق الذي في مهب غياهب الخوف والتوحش.‏

و عدة الشاعرة لمحاربة أزمنة اليباس هذه؛ الحب، وإن بدا عزيزاً نادراً، وهي في سعيها للحب؛ تُذكرنا بذلك الشاعر المهجري القديم في سعيه للرزق:‏

أغرّب خلف الرزقِ وهو مشرقٌ‏

وأقسمُ لو شرّقتُ راح يُغرّبُ‏

و هكذا «حظُّ» الشاعرة في رزق الحب، حيث ثمة خيبة تأتي كمن أشعل الضوء فجأة، تجعلُ القلب يهبطُ إلى قواعده، ولكن ليس سالماً أو بسلام، مع ذلك التشوش الذي يُصيب العيون، وذلك في تفاصيل الكثير من قصائدها، لاسيما في خواتيمها، ذلك الحب المُرتبك الذي يُحبط عند أول منعطف.‏

قد طار ما تصبو إليه الرّوحُ‏

وانهار الرُّكام‏

على ربيع الدالية‏

أرحل‏

فلي صمتٌ يئنُّ‏

وصار قلبي خاليا‏

أرحل‏

فلي نوحٌ حزينٌ‏

واستُبيح إبائيا‏

أرحل‏

فلا ماءً سُقيتُ‏

وما سمعتَ ندائيا‏

هذا الشكل من الوجدانيات، أو هذه الحالات الوجدانية الصرفة، تنوّع عليها الشاعرة، بهذا الرسم على مشاهد هجر الحبيب، والربيع لا يزال يُطيّر أولى سنوناته.‏

في تجربة هذه الشاعرة على مدى مجموعتين إلى اليوم، تراهن مرام النسر على خلق حالة من المتعة والدهشة لدى المتلقي أياً كانت شواغل القصيدة، وذلك ببناء عالمها الشعري الذي يغوص عميقاً في جوانيات الذات للبحث في الدواخل لإيجاد القول الشعري الأبهى الذي يمنع هذا الكائن من التشظي والضياع.‏

alraee67@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية