وفي ظل تصاعد الأوضاع في الأراضي المحتلة ، انتشرت عمليات الطعن التي برزت في المشهد العام لانتفاضة القدس ، وأضحت ظاهرة أزعجت الاحتلال (الإسرائيلي) وأوقعت جبهته الداخلية في حالة من الإرباك الكبير .
رئيس حكومة الاحتلال وأجهزته الأمنية والسياسية والعسكرية كافة والذين يعقدون الاجتماعات المتتالية لتقييم الأوضاع الناشئة عن تصاعد وتطور الهبات الجماهيرية الفلسطينية ، يمعنون في اتخاذ القرارات وسن القوانين والتشريعات التي في جوهرها تحمل المزيد من القمع والقتل والعقوبات الجماعية ،واطلاق يد المستوطنين في حمل السلاح وممارسة كل أشكال (البلطجة) والتعدي على الفلسطينيين وممتلكاتهم . فحكومة قامت على الاستيطان والتوسع ونفي الاعتراف حتى بوجود الشعب الفلسطيني، ليس من السهل في ظل وضع احتلال غير مكلف لها لا مادياً ولا بشرياً، أن تكلف نفسها عناء طرح أسئلة تكون الإجابة عليها بأن سياساتها وممارساتها العنصرية وعقوباتها الجماعية والمس بالمسجد الأقصى وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني هي من تدفع إلى قيام مثل هذه الهبات الشعبية المتواصلة ، وهنا نقول إن ظاهرة الطعن بالسكاكين ،تأتي كرد ونتاج لسياسات وإجراءات وممارسات وجرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته وبالتحديد المسجد الأقصى.
لقد تبلورت وتراكمت منذ اتفاقية أوسلو وحتى اليوم قناعة عميقة عند غالبية قطاعات وفئات الشعب الفلسطيني بأن هذه الاتفاقيات قد استنفدت تماماً ، و في النهاية كانت ربحاً صافياً للاحتلال ، وبالتالي ، فإن الرهان عليها لم يعد مجدياً، فالمستفيد الأكبر منها هو الاحتلال الذي استعملها ببراعة ليفرض المزيد من الوقائع والحقائق الجديدة على الأرض ، لقد نجحت اتفاقيات أوسلو في كل شيء ما عدا تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني ، نجحت في تكبيله بمختلف أنواع القيود في الوقت الذي أطلقت فيه أيدي الاحتلال حتى النهاية.
في هذا الإطار كانت رسالة الشباب المنتفض المباشرة والواضحة : لقد وصلنا إلى نقطة لم نعد نحتمل أو نتفهم معها هذا العبث ببديهيات قضيتنا وحقوقنا الوطنية والإنسانية، إنها رسالة موجهة ضد الخطاب والأداء الفلسطيني السياسي العاجز والضعيف الذي لا يتناسب ولاينسجم مع واقع الشعب الفلسطيني وحقوقه وتضحياته وقدرته واستعداده للمقاومة والتضحية.
وما هو أكثر أهمية هو: سقوط استراتيجية التفاوض والعمل الدبلوماسي كخيار وحيد، إذ إن حصر الاستراتيجية الفلسطينية تحت سقف التفاوض كخيار وحيد شكل غطاء سياسياً لدعاية الاحتلال التي نجحت في إلصاق صفة الإرهاب بكل عمل أو تنظيم فلسطيني مقاوم بما في ذلك المقاومة بالحجر، من هنا جاءت الهبة لتعيد الاعتبار للمقاومة الشعبية الإيجابية الفعالة المدعومة بكافة أشكال المقاومة التي تكفلها القوانين الدولية وتؤكد عليها تجارب الشعوب المناضلة من أجل حريتها منذ فجر التاريخ.
أما الرسائل الموجهة للاحتلال الاستعماري (الإسرائيلي) فقد كانت أيضاً شديدة القوة والوضوح وأهمها أن أجيال الشعب الفلسطيني مسكونة بقضيتها وحقوقها، وأن وهم قهر الشعب الفلسطيني والرهان على إتعابه وإحباطه هو رهان فاشل تماماً وأن العبث بالشعب الفلسطيني والمساس برموزه العميقة كالقدس والمقدسات الأخرى سيواجه بمقاومة شديدة وشاملة، الأمر الذي يؤشر إلى عمق الوعي الجمعي والمقاومة كحالة ثقافية وسلوكية عند المواطن الفلسطيني، وفي هذا السياق يمكن القول إن كل مواطن فلسطيني هو مقاوم أو مشروع مقاوم باستثناء فئة قليلة جداً وبالتالي فإنه قادر على تهديد الأمن (الإسرائيلي) في العمق بهذا المعنى أسقط الشباب المنتفض وبضربة واحدة أكذوبة جدار الفصل كجدار أمني فانكشفت وظيفته الحقيقية كجدار فصل عنصري سياسي لا أكثر.
الرسالة الأساسية التي وجهت للأمة العربية هي أن قضية فلسطين تبقى جوهر الصراع ولا يمكن تجاوزها وعليه فإن ما تتعرض له الأمة العربية من تدمير وقتل منهجي منظم من قبل القوى الاستعمارية العالمية وقوى الرجعية العربية وأدواتها الإرهابية المتخلفة تكمن أحد أهدافه العميقة في تصفية القضية الفلسطينية لهذا ومهما انشغلت الشعوب العربية بقضاياها عليها أن لا تنسى أن نجاحها في إسقاط مشاريع الهيمنة والرجعية والتخلف والتقسيم يرتبط بمدى تمسكها بقضية فلسطين.
هذه الحقائق والدروس تعني في أحد أبعادها الجوهرية أن ما يقوم به الاحتلال ومايفرضه من حقائق ميدانية (مصادرة الأراضي والاستيطان والتضييق على الفلسطينيين وقهرهم عزل القدس سياسياً واجتماعياً وإنسانياً) بقدر ما أنها تزيد من معاناة الشعب الفلسطيني إلا أنها في الوقت عينه تضاعف من غضبه وشدة رد فعله وبالتالي فإن العقوبات الجماعية والضغط النفسي والاقتصادي لم ولن ينجح في إخضاع الفلسطينيين بل ستدفعهم نحو تصعيد المقاومة بصورة نوعية.