ففي الوقت الذي يدشن فيه نتنياهو وحزبه وائتلافه الجديد مع ليبرمان وحزبه العنصري حملته الانتخابية بالإعلان عن بناء المزيد من المستوطنات الجديدة في القدس والضفة الغربية لضمان تأييد الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة ، يجري على الجانب الآخر من المشهد الحزبي الإسرائيلي حراك بين مختلف الأحزاب المحسوبة على ما يسمى «الوسط ويسار الوسط»من اجل تشكيل كتلة مانعة لمنع نتنياهو من تشكيل حكومة غي حال فوزه في الانتخابات .
ويذكر في هذا الاتجاه ،أن تسيفي ليفني زعيمة المعارضة ووزيرة الخارجية السابقة قد طرحت مبادرة لتشكيل كتلة مانعة من أحزاب الوسط ويسار الوسط لمنع نتنياهو من تشكيل حكومة مستقبلا ، واعتبرت معظم تعليقات الصحف الإسرائيلية هذه الخطوة على أنها خطوة جادة من شأنها أن تسد الطريق على نتنياهو وحلفائه خاصة بعد ترحيب زعيمة حزب العمل بهذه الدعوة ، وعلى ضوء دعوة شمعون بيرس رئيس الكيان هذه الأحزاب للتكتل في مواجهة نتنياهو وحلفائه. ووصفت معاريف هذه الخطوة بأنها كان من الممكن أن تكون حاسمة وقاطعة لو لم تأت متأخرة ولم لم يتم «توزيع الكعكة».
تعاون بين كتل اليسار
في المقابل قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن المبادرة تشير إلى بدايات تعاون بين كتل اليسار وأن كلا من يحيموفيتش(زعيمة حزب العمل) ويئير لبيد(زعيم حزب يوجد مستقبل) أبديا تجاوبا مع اقتراح لفني على الرغم من أن الأخيرة لم تسقط احتمال الانضمام لحكومة نتنياهو القادمة.ووفقا ليديعوت أحرونوت فإن الخيارات المتاحة أمام أحزاب اليسار والوسط ، عند تقديم القوائم، تتلخص أساسا بعدم توصية رئيس الدولة بتكليف نتنياهو بمهمة تشكيل الحكومة القادمة، تكليف زعيم الكتلة المانعة لأحزاب اليسار بتشكيل الحكومة، وإبلاغ رئيس الدولة أن أحزابهم لن تنضم لحكومة برئاسة نتنياهو. كما أنه بمقدور أحزاب اليسار والوسط المذكورة أن تشكل وفدا موحدا للتفاوض مع نتنياهو حول تشكيل الحكومة القادمة.
مع ذلك أشارت الصحيفة إلى أن كتل اليسار والوسط بما فيها الأحزاب العربية تملك لغاية الآن وفق مختلف لاستطلاعات 54 مقعداً فقط وهي بحاجة لتحول في موقف أحزاب حريدية مثل حزب شاس بأنه لن يدعم حكومة برئاسة نتنياهو حتى يكون بالإمكان تشكيل كتلة تمنع نتنياهو من تشكيل حكومة تتمع بثقة 61 عضو كنيست على الأقل.
وفي هذا السياق ذكر المراسل السياسي في معاريف شالوم يروشالمي أن ليفني التقت قبل إطلاق دعوتها لتوحيد كتل اليسار والوسط بالرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس، وأن الليكود يشك بأن بيرس أبلغ ليفني بأنه في حال تشكيل كتلة مانعة تحت قيادة زعيم متفق عليه، فإن بيرس سيكلف بزعيم كتلة اليسار بتشكيل الحكومة القادمة. وقالت معاريف إن ديوان بيرس نفى صحة هذا الأمر، بينما رفضت ليفني التعليق عليه.وتابع مراسل معاريف يقول إن بيرس من وجهة نظر المقربين من نتنياهو قد اجتاز منذ مدة الخطوط ومساحة المناورة المتاحة لرئيس الدولة، فهو لا يريد عودة نتنياهو لرئاسة الحكومة، لا يلتزم بواجب بقائه محايدا في المعركة الانتخابية، بل إنه تحول ليصبح مروجا وناشطا ضد نتنياهو وسياسة حكومته كلما سنحت له الفرصة.
وفي الاتجاه نفسه ، وجهت رئيسة حزب «العمل» شيلي يحيموفيتش الدعوة إلى رئيسة حزب «الحركة» تسيبى ليفني للاجتماع معها في منزلها.وقالت الإذاعة العامة الإسرائيلية إن مثل هذا الاجتماع سيعقد على الأرجح خلال الأيام القليلة المقبلة لتنسيق الخطوات بين الحزبين، استعدادا لانتخابات الكنيست ومواجهة سيطرة الأحزاب اليمينية المتشددة وعلى رأسها كتلة «الليكود بيتنا».ودعت ليفني الليلة الماضية في مقابلة تلفزيونية أحزاب الوسط واليسار إلى إقامة تحالف مشترك لمنع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من تشكيل الحكومة المقبلة أو لغرض استبداله بمرشح لأحزاب اليسار الوسط.وأضافت ليفنى أنها التزمت بأنها ستقدم توصيتها بعد الانتخابات بتكليف مرشح كتلة الوسط اليسار فقط بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة، مشيرة إلى أنها لم تقصد أن تكون هى بالضرورة مرشحة لتولى منصب رئيس الوزراء.بدورها أعلنت رئيسة حزب العمل شيلي يحيموفيتش أنها بعثت برسالة نصية قصيرة إلى رئيسة حزب الحركة تسيبي ليفني تدعوها فيها إلى منزلها للاجتماع.
مزيد من التراجع في قوة الليكود
و انضم إلى مبادرة لفني واللقاء القوة البارزة الثالثة في اليسار – الوسط ، رئيس «يوجد مستقبل» الذي شدد مع ذلك على تحفظه من الرفض المسبق للارتباط بنتنياهو. وكتب على صفحة «الفيس بوك» خاصته ان «يحيموفتش ولفني تريدان ان نعلن أننا لن ندخل إلى الحكومة، ولكن ما الذي سيخرج لنا من هذا، حكومة يمين وأصوليون؟». وأضاف: «بدلا من تجاهل الإمكانية المعقولة بان يشكل نتنياهو الحكومة، ندخل إليها معا – وبدلا من حكومة يمين – أصوليين، ستكون حكومة معتدلة وسوية العقل». وبعد ذلك أضاف: «إذا لم تنضما إلى حكومة نتنياهو، فأنا لن أنضم كي لا أكون شهادة حسن سلوك لحكومة الأصوليين واليمين المتطرف».ويأتي هذا أيضا على خلفية مقال نشر في نهاية الأسبوع في المجلتين الناطقتين بلسان يهدوت هتوراة، «هموديع» و «يتيد نئمان» زعم فيه بأنه «في محيط نتنياهو يقعون بخطيئة الغرور» – وأطلقت دعوة لتوحيد ديني لأغراض المفاوضات، «التي يمكنها أن تعقد صفقة مع لفني ويحيموفتش وتتويجهما».
في مقابل هذا الحراك يعيش حزب الليكود حراكا داخليا من نوع آخر ،إذ هاجم الكثير من زعماء هذا الحزب زعيم الحزب بنيامين نتنياهو بسبب التراجع المتواصل في تأييد القائمة المشتركة «الليكود - بيتنا» في استطلاعات الرأي مقابل صعود حزب «البيت اليهودي»، مشيرين إلى أن توحيد القائمة مع «إسرائيل بيتنا» أصابت الحزب بالسوء ولم يخدم سوى نتنياهو شخصياً.
وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية والقناة العاشرة إن الوزراء أعربوا عن خشيتهم من أن إدارة الحملة الانتخابية للقائمة المشتركة سيؤدى في نهاية الأمر إلى مزيد من التراجع في قوة حزب الليكود، ونتيجة لذلك فإن أعضاء كنيست في حزب الليكود سيجدون أنفسهم خارج الكنيست القادمة.ونقلت القناة التليفزيونية عن الوزراء قولهم «إن الوزراء الذين ينتظرون مناصب أكثر في الحكومة المقبلة لن ينالوا مطلبهم، معتبرين أن قرار المنافسة في الانتخابات المقبلة في قائمة موحدة مع «إسرائيل بيتنا»، جاء فقط من أجل أن يظهر نتنياهو أمام الكاميرات أنه هو الوحيد القادر على تشكيل الحكومة المقبلة.وبحسب هؤلاء الوزراء فإنه دون الوحدة مع «إسرائيل بيتنا» لكان من الصعب على نتنياهو تشكيل حكومة جديدة بولاية ثانية.
سيناريوهات تشكيل الحكومة القادمة
أحزاب اليمين الديني المتطرف لديهم حراكهم الخاص بهم ، فقد بدا هم الآخرون بحملة تهدف إلى تعزيز صفوفهم وطرح شروطهم لأي حكومة مقبلة مهما تكن، ففي هذا الاطارصرح «نفتالي بنيت» رئيس البيت اليهودي، عقب اللقاء الثلاثي الذي جمع قادة «الحركة» و«العمل» و«يوجد مستقبل»، قائلاً: «أنه لا يمكن التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين وأن هاجس اليسار هو تسليم أجزاء من البلاد لصالح (العدو)».وبحسبه فإنه يمكن فقط التوصل إلى «تعايش»، مضيفاً : أن من يعرف كيفية الوصول إلى ذلك ليس من يسافر إلى أنابوليس، وإنما المستوطنون الذين يسافرون معهم في شارع 60، ويقفون إلى جانبهم في السوبر ماركت يعملون معهم». وتطرق «بنيت» إلى سيناريوهات تشكيل الحكومة القادمة، قائلاً: «إن نتنياهو ينوي تشكيل حكومة مع أحزاب المركز – اليسار، وأن هذا هو السبب الذي يمنع ليفني من الالتزام بعدم الدخول في الائتلاف الحكومي».
وقال بنيت: إنه «على ما يبدو فإن خطة نتنياهو هي تشكيل حكومة يسار – ليكود، تضم تسيبي ليفني وعمرام متسناع وعمير بيرتس، مثلما حصل في المرة السابقة، حيث تم ضم أيهود باراك بعد الانتخابات مباشرة».
بدوره ، هدد الحاخام «عوفاديا يوسف» الزعيم الروحي لحركة شاس بهجرة طلاب المعاهد الدينية من «إسرائيل» في حال فرض عليهم الالتحاق بالخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي.
وقال الزعيم الروحي خلال درس ديني ألقاه الجمعة الأخيرة: «أن الحديث يدور عن حكم صعب، وأين سنجد طلاباً حكماء إذا جندوهم للجيش؟»، ودعا الحضور للتصويت لصالح الأحزاب الدينية المعارضة للتجنيد.وأضاف: «إذا فرض تجنيد على طلاب المدارس الدينية، سنضطر حاشا لله ترك أرض إسرائيل، ونهاجر خارج البلاد، حتى يطلقوا سراحهم ونحن نأسف كثير، والآن الأوان لكل شخص لفتح قلبه والذهاب للتصويت للأحزاب التوراتية».
تعليقات وتحليلات الصحف الإسرائيلية تبدو أكثر تحمساً لفكرة هذا التجمع الجديد من الأحزاب المناوئة لنتنياهو والاهم من ذلك ان معظم تحليلات هذه الصحف قد ضاقت ذرعا بنتنياهو فتحت عنواناً « من ثلاثة يخرج واحد – يحاولون توحيد القوى» كتبت يديعوت احرونوت :»إعلان رئيسة العمل شيلي يحيموفتش في أنها لن تنضم إلى حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو، نجح في إحداث هزة في الجناح اليساري – الوسط من الخريطة السياسية: فقد بدأ هذا بالدعوة العلنية من جانب رئيسة الحركة تسيبي لفني للتعاون، تواصل في رسالة الدعوة التي بعثت بها يحيموفتش، ومن المتوقع ان يصل إلى لقاء، مع رئيس «يوجد مستقبل» يئير لبيد.
اليمين مازال هو الغالب
الوحدة بين العمل، الحركة ويوجد مستقبل ليست ممكنة بعد، وذلك لان قائمة المرشحين للكنيست أغلقت. ومع ذلك، يمكن للرؤساء الثلاثة ان يتفقوا على ألا يوصوا الرئيس في اليوم التالي للانتخابات بنتنياهو كرئيس للوزراء وألا ينضموا إلى حكومة برئاسته – كما تطالب يحيموفتش – أو ان يديروا معا مفاوضات ائتلافية على تشكيل الحكومة أو الدخول إليها – كما تطلب لفني، وبقدر كبير كما يقترح لبيد. بكل الأحوال، ودون أي صلة بنتائج اللقاء هذا المساء، فشيء غير متوقع أن يتغير من ناحية الناخب في 22 كانون الثاني – ثلاث قوائم ستتنافس كل على حدة في كل الأحوال، وكل واحدة ستتطلع لان تحصل على اكبر قدر ممكن من الأصوات، على حساب خصومها من اليمين ومن اليسار – الوسط.
وفي هآرتس كتب جدعون ليفي :«تقول شيلي يحيموفيتش أيضا كلاما صحيحا ومصمما عن العدل الاجتماعي والظلم. لكنها تريد العدل لليهود فقط، ولهذا فان كلامها عنصري أيضا. ولا يقول يئير لبيد الكثير لكن من المؤكد أنه لا يُفسد صف القوميين هذا. وليس سوى ميرتس وحداش تتحدثان إلى الآن بلغة اليسار القديم، لكن الحماسة قد خمدت فيهما شيئا ما. فقد اليسار – المركز في إسرائيل محركه الشعوري والأخلاقي ولهذا فسَدَ فلم يعد قادرا على جذب الجماهير لأنه إذا كان الحديث عن القومية فاليمين هو الغالب.كان يبدو في نهاية الأسبوع أنه ربما يوجد بعث لكتلة المركز – اليسار. فالحديث عن التنسيق بين أحزابه الثلاثة جاء بأمل ضعيف لأنه ما يزال يوجد احتمال لوقف بنيامين نتنياهو، لكن هذا الأمل مفقود مسبقا لأن هذه الكتلة ما تزال تُقصي عن صفوفها حتى ميرتس، ولن نتحدث عن القوائم والمصوتين العرب.