وكرس فيه سياسته الاستيطانية التي تهدف الى تهويد الأرض الفلسطينية في إطار المشروع الصهيوني الأكبر الذي يهدف الى طمس الهوية العربية الفلسطينية أرضا وشعبا وتاريخا وصولا الى إعلان مايسمى بـ (الدولة اليهودية ) على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف ، الأمر الذي يوصل الى نتيجة مفادها ان العام 2012 كان أيضا عام الغياب العربي المفجع عن قضايا العرب الأساسية وخاصة القضية الفلسطينية التي غابت عن أجندات الكثير من ملوك ورؤساء وقادة العرب الذين أضاعوا بوصلة العروبة والوطنية والقومية وانشغلوا بالتآمر على بعضهم البعض.
ومع أن الاستيطان هو سياسة إسرائيلية ثابتة ممنهجة ومنظمة إلا أن إسرائيل وجدت في ذلك الغياب العربي المفجع ،وكذلك في انجازات الشعب الفلسطيني التي حققها في العام الماضي سواء من خلال انتصار الشعب الفلسطيني في معركة غزة الأخيرة التي أطلق عليها العدو الإسرائيلي (عمود الدخان ) أو انجازه ( المتواضع ) في الأمم المتحدة التي حصلت بموجبه فلسطين على صفة عضو مراقب .. وجدت في ذلك الغياب وتلك الانجازات البيئة الأنسب لتكثيف وزيادة حملاتها الاستيطانية والفرصة الاميز لتبرير تلك الحملات المسعورة التي أرجعتها كثير من دول الغرب الاستعماري وخاصة الولايات المتحدة التي توصف بأنها راعية للسلام بين الفلسطينيين وحكومة الاحتلال الى أنها تندرج في إطار ردود الفعل الإسرائيلية على تلك الانجازات النوعية للشعب الفلسطيني رغم كل تلك الانتقادات الحادة وردود الفعل الغاضبة التي صدرت من بعض الدول الغربية كرد على مواصلة الاحتلال لحملاته الاستيطانية ، كما يمكن إرجاع سبب دوران عجلة الاستيطان بشكل لافت وكبير في الآونة الأخيرة لما يعتبر انه في سياق الدعاية الانتخابية لحكام الكيان الصهيوني وزيادة رصيدهم الشعبي عبر تكثيف ممارساتهم الاحتلالية والاستيطانية عند جمهور المستوطنين الإسرائيليين الذين ضاقوا ذرعا بهم لا لشيء وإنما لعدم قدرتهم على تلبية طموحاتهم بالوصول الى أقصى درجات الإرهاب والإجرام والدموية وممارسة أكثر السياسات والتصرفات والسلوكيات الاحتلالية .
ونظرا للأهمية البالغة التي تشكلها القدس في العقل الصهيوني نهجا وطموحا فقد كان لها النصيب الأكبر في الحملة الاستيطانية خلال العام الماضي بهدف إحكام القبضة على المدينة المقدسة وتصفية الوجود الفلسطيني تمهيدا وتنفيذا للمخطط المسمى ( القدس الكبرى ) التي سيعلن عنها بحلول عام 2020 (عاصمة للشعب اليهودي ) في العالم ، حيث عملت حكومة الاحتلال على تكثيف الاستيطان في القدس الشرقية من خلال بناء نحو 30 ألف وحدة سكنية للمستوطنين، وتحريك المشاريع السياحية والتهويدية في محيط المسجد الأقصى حين وضعت اليد على القصور الأموية لتهويدها، لتكون مقدمة لتشييد ما يسمى «مرافق الهيكل» المزعوم ، كما شهد العام 2012 تصعيدا في اقتحامات الجمعيات الاستيطانية وأذرع المؤسسة الأمنية والعسكرية لساحات المسجد الأقصى ، حيث بلغ عدد المستوطنين الذين اقتحموا الأقصى نحو عشرة آلاف مستوطن ، كما دخل نحو 250 ألف سائح أجنبي ساحته بلباس لا يحترم حرمة المسجد وقدسيته.
ولتوضيح حجم الأضرار التي خلفها الشبح الاستيطاني خلال العام الماضي نشير الى تلك الأرقام التي صدرت عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني حيث أكد في تقرير له الأسبوع الماضي ان الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية تزايدت رقعته بشكل لافت خلال 2012 عن العام الذي سبقه، كما ارتفعت أعداد المستوطنين بنسبة تقترب من 10% ليتجاوز عددهم حاليا 700 ألف مستوطن ، مضيفا ان حجم إخطارات هدم المنازل والمنشآت تزايد خلال عام 2012 عن العام الذي سبقه بنسبة تبلغ 60%، كما تزايدت نسبة الهدم الفعلي للمباني والمنشآت.
بدوره أكد مدير معهد الدراسات التطبيقية في الأراضي الفلسطينية جاد اسحاق أن العام الماضي شهد بناء أكبر عدد من الوحدات السكنية في 166 مستوطنة في الضفة الغربية، مبينا أن إسرائيل أضافت 15 ألف وحدة سكنية، مقابل 10 آلاف وحدة عام 2011، وهو ما رفَع أعداد المستوطنين بنحو 65 ألف مستوطن، ليصبح بذلك عددهم 700 ألف مستوطن في نهاية 2012، بنسبة تبلغ 15.6 % من سكان الضفة، موضحا أن محافظات رام الله والقدس وبيت لحم على التوالي كانت الأكثر استهدافا.
ووصف مدير معهد الدراسات التطبيقية العام 2012 أنه عام ( أسرلة الضفة )، موضحا أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يسابق الزمن لتثبيت أسرلة الضفة الغربية، ويحاول فرض الوقائع على الأرض، مستغلا الجمود في العملية السياسية، والشلل في الرباعية الدولية، وانشغال العرب بـ (ربيعهم ) ، والانهيار الاقتصادي في أوروبا.
وأضاف أن نتنياهو يسعى لتثبيت ( الأسرلة ) بحيث يجد الفلسطينيون أنفسهم في كانتونات ضيقة ومعزولة بالضفة الغربية، موضحا أن إسرائيل استطاعت من خلال المصادرات وخلع الأشجار والبناء وغيرها أن تستولي على 80% من المناطق المصنفة «ج»، والتي تخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة.
وكشف الأخير - استنادا إلى مخططات نشرها المستوطنون- عن أن إسرائيل تخطط خلال العام 2013 لبناء نحو 25 ألف وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة، مؤكدا أن خطط المستوطنين -وفق ما أعلن في مؤتمر هرتسيليا الذي يرسم السياسة الإسرائيلية- ستلتهم نحو 38% من الضفة الغربية.
ومن جهته قال مركز أبحاث الأراضي الفلسطينية في تقريره السنوي حول انتهاكات الاحتلال بحق الأرض والسكن إن الاحتلال صادر خلال 2012 حوالي 28 ألف دونم من أراضي الضفة، بنسبة تزيد بالضعفين عن عام 2011، منها 5632 دونما تمت مصادرتها في مدينة القدس ، مضيفا أن الاحتلال هدم خلال 2012 حوالي 600 مسكن ومنشأة في الضفة الغربية، منها 106 منشأة في القدس وحدها، و121 منشأة في الخليل، بزيادة تبلغ 12% عن العام الذي سبقه ، وأن الاحتلال أصدر في العام نفسه 300 أمر وقف عمل وهدم وإخلاء، استهدفت 1231 مسكنا ومنشأة، منها 223 منشأة في القدس، و320 في الخليل، بزيادة إجمالية 60% عن عام 2011 .