تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عبر حكايات الأطفال: الأخوان غريم.. أعادا إحياء التراث

فضاءات ثقافية
الأحد 13-1-2013
لميس علي

لدى دوران دولاب الذاكرة عوداً إلى حكايا الطفولة.. تأمّلاً فيها: (الحسناء النائمة)، (ذات الرداء الأحمر أو ليلى والذئب)، (بياض الثلج والأقزام السبعة)،

(سندريللا)، (الحسناء والوحش)، (الضفدع الملك) وغيرها وصولاً إلى آخر مدى يمكن لخيط ذاكرتك الوقوف عنده.. ألا ينتابك إحساس أن روحاً واحدة جمعت, وربما ألّفت كل تلك القصص الساحرة في بهجتها, المباغتة لشدة التصاقها بالحلم.. كم مرة دغدغَتْ أسراب أحلام الطفولة؟‏

السؤال الآخر المنفلت من عقال الصِغَر يعود مستفسراً عن «البيئة «, غالباً كانت هي ذاتها.. في كل قصة تتشابه بعض الثيمات.. وكما لو أن نَفَساً واحداً قام بقصّها.‏

فأبطال هذه الحكايات أقزام.. عمالقة.. حيوانات ناطقة.. حطابون وصيادون.. وأمراء وفقراء.. شخصيات ازدحم بها كتاب (الأطفال وبيت الحكايات) للأخوين غريم اللذين قاما بجمع ونشر قصصه.‏

مؤخراً اُحتفل بمرور مئتي عام على صدور طبعته الأولى.. في البداية كانت خالية من الصور, وهو ما أثر على نجاحها.. لكن سرعان ما أصبحت مرفقة بالرسوم التوضيحية التي ستصبح فيما بعد موضوعاً يثير ويغني خيال الفنانين.‏

ما أصل هذه الحكايات..‏

ولماذا عاد الأخوان غريم وجمعاها؟‏

يقول فيلهلم غريم: (إن القاسم المشترك بين الحكايات جميعها هو كونها بقايا معتقدات تعود إلى أقدم العصور، وتعبر عن نفسها من خلال تصويرها لمدركات غير حسية. وهذه المادة الحكائية الخرافية تشبه شظايا حجر كريم متناثرة على أرض خصبة نمت فوقها الحشائش والزهور فغطتها، حيث لا تكتشفها إلا العين الثاقبة النظر. ومنذ زمن بعيد فقدت هذه المعتقدات مغزاها، إلا أننا ما زلنا نحس به، وهو الذي يكوّن بنية الحكاية الخرافية التي تهتم في الوقت نفسه بإشباع المتعة الفطرية في تصوير الأمور العجيبة ولا يمكننا أبداً أن نعد الحكايات الخرافية محض لعبة ألوان صادرة عن خيال فارغ).‏

ولد ياكوب غريم عام 1785 في كاسل الواقعة وسط ألمانيا، وتوفي عام 1863 في برلين التي كانت في ذلك الوقت عاصمة بروسيا.. وولد أخوه فيلهلم بعده بسنة واحدة وتوفي في برلين أيضاً عام 1859.‏

عاشا ضمن أسرة أمّنت لهما طفولة مريحة ومستقرة.. درسا الحقوق في مدينة ماربورغ وهناك تعرفا على البروفسور فريدريش كارل فون سافيني (مؤسس المدرسة التاريخية لعلم الحقوق) وبدوره عرفهما على الأديب الرومانسي كليمنس برنتانو. من الأول عرفا أهمية البحث العلمي.. وأما الثاني فأفادهما بمعرفة ضرورة إحياء تراث الأدب واللغة الألمانية.‏

بدأا بجمع مادة كتابهما عام 1807، ومنذ عام 1811 أخذا ينشران أعمالهما.. وكان كتاب (الأطفال و بيت الحكايات) أهم عمل جمع جهودهما المشتركة واشتمل على حكايات شعبية خرافية وقصائد حكائية عن الإنسان والحيوان.‏

طوال حياتهما، واظب الأخوان غريم على عادة التنقل من ولاية إلى أخرى جمعاً للحكايات التي ترويها النساء الألمانيات لأطفالهن.‏

لم تكن غايتهما أدبية محضة.. إذ لاحظ الدارسون للطبعات التي نُشرت زمنهما أن فيلهلم كان ينقّح ويهذب الحكايات من طبعة إلى أخرى.. محاولاً صوغ الحكايات الخرافية وفق قواعد وأحكام بنيتها.. هادفاً الحفاظ على هذه البنية الشفاهية ضمن قالب لغوي فني يحتفظ بحيويتها المحكية.. حيث عُرف عن الأخوين غريم تفرّدهما عن المجموعات التي تلت أو سبقت كتابهما أنهما لم يضمّناه سوى الحكايات المتناقلة شفاهاً.. وبذلك يُعيدان إحياء أدب شعبي مغرق في القدم.. بغية تعميق الوعي القومي للشعب الألماني زمن الاحتلال الفرنسي لألمانيا.. بمعنى أنهما أرادا خلق هوية ألمانية متميزة عبر الأدب.‏

عام 1822، ألحقا بجزئي كتابهما جزءاً ثالثاً كان عبارة عن دراسة علمية حول الحكاية الشعبية الخرافية اُعتبر البداية العلمية لعلم الفلكلور.‏

تُرجمت الحكايات إلى أكثر من (140) لغة.. وأصبحت ركناً أساسياً من تراث القص لعمر الطفولة.‏

تكريماً للأخوين غريم أنشئ متحف خاص بهما في قصر (بيلفي) بمدينة كاسل الألمانية.‏

تفنن عصري..‏

بعين الحداثة تلقى فنانو العصر نتاج الأخوين غريم.. كل منهم عبّر عن تلقيه هذا النمط من السرد الحكائي الأسطوري الشعبي بإضفاء تقنيات عصرية اختيارية. في رسوماتها لحكاية (هينزل وغيريتل)- واحدة من أشهر حكايا الأخوين- استخدمت الفنانة زبيله شينكر تقنية الصور الظلّية.. وفي معرض غريم في تروسيدورف قامت الفنانة إيفا يوحنا روبن بجعل كل الشخصيات التي رسمتها من مجموعة غريم، لطيفة حتى الذئب المفترس في قصة ليلى والذئب.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية