حرب ليس بذريعة محاربة الإرهاب والتطرف وإنما هي لعبة المصالح الرأسمالية، فالتخبط الغربي والازدواجية جعلت من السياسة الغربية سياسة فاقدة للمصداقية حيث يقفون ضد الإرهاب في دول ويؤيدون في أخرى، والعمليات العسكرية الفرنسية لا تصب ضمن إطار مساعدة الماليين بقدر ما هي استغلال لضعف أجهزة الحكومة المالية ولتعزيز تواجد فرنسا في قلب إفريقيا تحقيقاً لمصالحها الخاصة.
ضحية واحدة في الحرب مع الإرهاب استدعت أسف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي بدت عليه الصدمة وهو ينعي أحد ضباطه الذين قتلوا في مالي أثناء عملية عسكرية يشنها الجيش الفرنسي بذريعة مواجهة المتطرفين والإرهابيين الذين استولوا على شمال البلاد قبل حوالي 9 أشهر.
وفي ازدواجية واضحة فإن الحق الذي أعطته فرنسا لنفسها بمواجهة الإرهاب خارج حدودها وعلى أراضي دولة ذات سيادة في سياق العملية العسكرية التي أعلن عنها الجيش الفرنسي أمس الأول بذريعة مواجهة المتطرفين في جمهورية مالي ترفض إعطاءه لدول أخرى مستقلة لمواجهة الإرهاب على أراضيها وداخل حدود سيادتها ليتضح أن المشكلة لدى الغرب لا تكمن في الإرهاب والتطرف بقدر ما تكمن في لعبة المصالح الرأسمالية.
تقف فرنسا ضد الإرهاب في مالي وتدعمه في سورية وبالمقابل تتذرع بطلب السلطات المالية للتدخل عسكرياً للقضاء على التطرف وفي سورية تتذرع بطلب المتطرفين التدخل دون أن تجد الشجاعة لتلبية طلبهم لأن الدولة السورية بقيت أقوى من جميع الرهانات.
آلاف الشهداء السوريين سقطوا في معركتهم ضد الإرهاب ولم نسمع أن فرنسا أعلنت دعمها لسورية ضد التطرف لكنها اليوم تبكي ضحيتها الأولى مع الإرهاب في مفارقة كبرى تشير إلى التخبط الغربي والازدواجية التي جعلت من السياسة الغربية سياسة فاقدة للصدقية فلا أحد يقف مع الإرهاب في مالي أو يدعمه ولكن من غير المقبول أن تتحالف فرنسا مع الإرهاب في سورية وتقيم العلاقات القوية مع دول إقليمية فتحت أراضيها للإرهابيين لاستهداف سورية بسبب رفضها الخضوع للشروط الغربية والتخلي عن قرارها السيادي المستقل.
وتتباهى فرنسا بقتل الإرهابيين في مالي بالمئات في حين تعتبر حلفاءهم من تنظيم القاعدة في سورية ضحايا وتدعو لمساعدتهم الأمر الذي يؤكد أن الجيش الفرنسي لا يفكر بمساعدة الماليين ضد الإرهاب بل إنه يستغل ضعف الأجهزة الحكومية المالية لتعزيز تواجده في قلب إفريقيا لمصالح رأسمالية بحتة.
وفي الأخبار أعلن وزير الدفاع الفرنسي جان أيف لودريان مقتل ضابط فرنسي إثر غارة شنتها مروحيته أمس الأول على مجموعة من الإرهابيين وسط مالي كانوا يزحفون باتجاه الجنوب بعد استيلائهم على مدينة كونا في وسط مالي والتي استعاد جيش مالي السيطرة عليها فيما بعد.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن لودريان قوله خلال مؤتمر صحفي إن الغارة تمكنت بدعم من الجيش المالي من تدمير العديد من الوحدات الإرهابية وأوقفت تقدمهم مشيراً إلى إصابة أحد الطيارين بجروح توفي على إثرها، وأعرب الرئيس الفرنسي في بيان عن «حزنه العميق» لمقتل الضابط.
من جهته أعلن الأميرال ادوار غيار رئيس أركان الجيوش الفرنسية أن العملية التي تشنها قواته في مالي وأطلق عليها اسم سيرفال أو القط النمر جارية وتديرها على المستوى التكتيكي قيادة عمليات مقرها مالي وعلى المستوى الاستراتيجي قيادة عمليات مقرها باريس إلى جانب وزير الدفاع ورئيس الجمهورية.
من جهة ثانية أعلن لودريان أن أولى الوحدات الفرنسية انتشرت اعتباراً من مساء أمس الأول في باماكو لحماية الرعايا الفرنسيين المقيمين في عاصمة مالي بعد ساعات من بدء العملية الفرنسية، مبيناً مشاركة مئات من الجنود الفرنسيين في الانتشار. وتذرعت فرنسا بطلب رسمي من باماكو لشن العملية العسكرية في مالي ومواجهة هجوم واسع النطاق شنه مسلحون متطرفون يسيطرون منذ تسعة أشهر على شمال البلاد وتمكنوا هذا الأسبوع من التقدم جنوباً.