التي جرت في الأسبوع الماضي حيث وجدناه يعمد إلى حث كل من الجانبين على تحقيق الهدف الأكثر أهمية للجانب الآخر الذي يتمثل بقيام دولة مستقلة مع حدود واضحة بالنسبة للفلسطينيين وتحقيق الأمن والأمان للإسرائيليين، مستأخراً الخوض في أمور أخرى مثل موضوع المستوطنات إلى حين آخر.
لكني أرى بأنه من السذاجة بمكان الاعتقاد بإمكانية ترسيم الحدود بشكل نهائي دون الدخول في التفاصيل ذلك لتناثر المواقع الاستيطانية في الضفة الغربية الأمر الذي يحدث تأثيراً كبيراً في الأسلوب الذي يقوم عليه ترسيم الحدود ذلك لأن نظرة واحدة على الخرائط المؤقتة التي رافقت اتفاقيات أوسلو في تسعينيات القرن الماضي تعطينا دليلاً ومؤشراً بأن المستوطنات القائمة تحول دون إيجاد وحدتين إقليميتين متميزتين ومنفصلتين ومتجاورتين.
إن تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق إي وبي وسي يتمتع كل منها بواقع خاص ويخضع لنمط محدد من الأحكام كان في واقعه وصفة لعدم الاستقرار السياسي كما أكد لنا الواقع.
لقد وافق الفلسطينيون على توقيع خرائط أوسلو لأنهم اعتبروها مرحلة أولى من فترة انتقالية أمدها خمس سنوات حيث يصار بعدها إلى التوصل إلى خارطة نهائية ترضي مطالب السيادة الفلسطينية ومطالب الأمن الإسرائيلية.
ومنذ ذلك الحين، جرت عدة محاولات لرسم الخارطة، حيث اقترحت سيناريوهات متعددة للحدود في المرحلة الثانية من قبل جغرافيين ودبلوماسيين ورسامي الخرائط. واقترح عدد من الوزراء (الذين لدى كل منهم طموحاته في أن يصبح «صانع سلام»)، حدودا مستقبلية لحل الدولتين. ولم تكن في الواقع تختلف كثيراً عن بعضها حيث يعتمد الجميع الخط الأخضر أساساً مع محاولة للانحراف عنه بغية ضم أكبر عدد ممكن من المستوطنات القريبة منه إلى داخله. وفي العقد الماضي، كان من بين السيناريوهات رسم خرائط تقوم على عرض تبادل الأراضي بحيث تشمل مناطق المستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية ومقابل ذلك يحصل الفلسطينيون على أراض من داخل إسرائيل، وبهذه الطريقة، يتم الحفاظ على نسب الأراضي التي كانت موجودة قبل عام 1967 لكل من إسرائيل والضفة الغربية.
منذ أوسلو، أخذ المشروع الاستيطاني بمضاعفة مساحاته حيث توسعت المستوطنات لتصبح بلدات صغيرة، في الوقت الذي استمر به بناء مستوطنات جديدة على قمم التلال بشكل متناثر وعشوائي الأمر الذي زاد في تفاقم المشكلة وحال دون تحقيق التواصل بين الأراضي.
إن بناء جدار الفصل ليس في واقعه إلا محاولة لإقامة حدود الأمر الواقع على الأرض وعلى الرغم من سهولة إزالته فإنه يعطي دليلا ومؤشرا عن التفكير السياسي للقادة الإسرائيليين في العقد الماضي بشأن الشكل النهائي للحدود.
لكن من غير المستبعد أن يقترح وزير الاقتصاد والتجارة الجديد قائد حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت إزالة جدار الفصل والسماح للفلسطينيين بالعودة إلى سوق العمل الإسرائيلي لأن ذلك وفقا لرؤيته السبيل الوحيد للحؤول دون تحقيق حل الدولتين الذي دأب على معارضته بشكل كبير.
إن ما يرمي إليه بينيت والحكومة الائتلافية اليمينية الجديدة هو التوقف عن بحث أمر الحدود لأن إسرائيل يجب أن تضم كامل الأراضي الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن والتي ينبغي أن تشكل كياناً واحداً لا يمكن تقسيمه.
ومن المفارقة، أن يكون الحل الذي تطرحه المجموعات الفلسطينية الراديكالية يقوم على وجود دولة واحدة ثنائية القومية لليهود والعرب يكون بها الفريقان على قدم المساواة كما وأن اليمين المتطرف (الذي يؤمن باستمرار الاحتلال) واليسار الراديكالي (الذي يؤمن بدولة ثنائية القومية) يؤمنان بعدم ترسيم الحدود ويتمسكان بالأرض بكاملها كوحدة إدارية وسياسية في الوقت الذي يرى به بنيت ضرورة وجود صنفين في هذه الدولة أحدهما في الدرجة الأولى والآخر في الدرجة الثانية على أن تحتفظ الدولة بطابعها اليهودي بشكل رسمي أما الواقع الذي سيفرض نفسه في حال قيام دولة ثنائية القومية فسيكون المساواة بين الجميع وبذلك لن يكون ثمة دولة إسرائيلية لها هوية يهودية فقط.
لقد كرس بينيت وأنصاره من اليمينيين جل اهتمامهم على إلغاء الحدود والاستمرار في بناء المستوطنات في الضفة الغربية دون تبصر بما سيفضي إليه هذا الأمر من قيام دولة واحدة يضعون بها النهاية لحلم الدولة اليهودية. وبذلك يكونون قد ترسموا خطى رئيس الوزراء اليميني السابق أرئيل شارون الذي عمد إلى إخلاء غوش قطيف في قطاع غزة وأسس حزب كاديما وأعلن عن نيته للمضي قدماً في الانسحاب من أراضي الضفة الغربية لكنه في قرارة نفسه لم يغير معتقداته اليمينية ولم يؤمن البتة بشرعية قيام دولة فلسطينية على الرغم مما كان يصرح به من اعتراف واقرار لحل الدولتين.
لكنه في واقع الأمر تفهم الهواجس الأمنية والتهديدات التي تواجه الأمن الإسرائيلي منذ أمد بعيد سواء من خلال الواقع السكاني أو من الصواريخ والقوات المعادية.
إن تنفيذ الأسلوب الكلاسيكي لحل الدولتين يتطلب الاعتراف بحدود دولية على امتداد الخط الأخضر، أو أي خط آخر يتفق عليه، مع الأخذ بالاعتبار أن اعتماد جدار الفصل سيتطلب إخلاءً قسرياً لعشرات وربما مئات الآلاف من المستوطنين الأمر الذي ليس من السهولة بمكان تحقيقه لاسيما أنه ليس لدى أي حكومة إسرائيلية القدرة على تنفيذ هكذا سيناريو في ضوء المعارضة الكبيرة التي ستجابهها وسيكون هناك مستوطنات على الجانب الآخر من الحدود حتى بالنسبة للحدود التي رسمت لتشمل كتل استيطانية قريبة من الخط الأخضر.
لاريب بأن إزالة الحدود بشكل نهائي سيفضي إلى أحد سيناريوهين كلاهما يرفضه معظم الإسرائيليين أحدهما يقوم على التمييز العنصري والمؤسساتي والثاني إقامة دولة ثنائية القومية تحقق المساواة لمواطنيها. وفي هذه الحالة يتطلب الأمر أسلوبا جديدا من التفكير بالحدود والمواطنة والاستقلال.
ثمة رغبة جامحة لدى كل من أوباما وكيري لرسم حدود يرضى بها الطرفان لكنهما فيما اتبعاه من أساليب قد أفضيا إلى تعقيد الأمور بدلا من تبسيطها وإننا لا نشك بأن كلاهما ينتابه القلق إزاء تحقيق الأمن الإسرائيلي وحق الفلسطينيين في الاستقلال لكن على الجميع أن يعلم بأنه إن لم يكن ثمة قبول واضح من كلا الجانبين (وبشكل خاص إسرائيل) لما ستنتهي إليه الأمور فإن كل ما يبذلانه من محاولات سيكون مآله الفشل.