فتنفّس شعبنا نسيم الحرية بعدما قدّم التضحيات من قوافل الشهداء قرابين على مذبح الحريّة والسيادة الوطنيّة . فالوطن يكون حرّاً عندما يتمتّع بالاستقلال ، ويكون مستقلاّ عندما يتمتّع بالحرية والسيادة ، وهنا يكمن جوهر الحياة الوطنيّة بأبعادها الاجتماعيّة والأخلاقية والإنسانيّة .
لقد كان الشعب كلّه ، بفئاته ومناطقه ، يقاوم الاحتلال والاستعمار،في وحدة وطنية قوية متماسكة، عبّرت عن الانتماء الحقيقي لهذا الوطن ومحبته ؛ تلك الوحدة الوطنية الرائعة التي استطاعت أن ترغم المستعمرين الفرنسيين على الجلاء عن تراب الوطن الطاهر ، وتنجز الاستقلال التام في السابع عشر من نيسان سنة 1946 ؛ فكان يوم الجلاء ، يوم الاستقلال، نقطة تحوّل كبيرة في تاريخ سورية النضالي والوطني .
ونتساءل اليوم ، ونحن نعيش ذكرى الاستقلال المجيدة ، هل نتحدّث بلغة الألم والحزن على ما حلّ بوطننا بفعل العمليات الإرهابيّة المجرمة، التي ينفّذها ضد وطننا وشعبنا ، مرتزقة تكفيريون ؟ أم نتحدّث بلغة التصميم والتفاؤل والأمل بالخلاص القريب من الأزمة ،والقضاء على المأجورين والعملاء ، بفضل تضحيات أبطال قواتنا البواسل ، وصمود شعبنا الأبي المقاوم ؟!
أجل ..! نتحدّث بلغة الألم والحزن ، ونحن نرى وطننا يعاني من وطأة مؤامرة استعمارية جديدة بأدوات تنفيذية من أبنائه وأشقائه ، الذين باعوا ضمائرهم الوطنيّة والعربية إلى أعداء سورية؛ ونستذكر في المقابل الرجال العظام الذين صنعوا الاستقلال وهم يقاومون الاحتلال والاستعمار بأرواحهم وأفكارهم ، وإيمانهم بوطنهم ، رافضين أي شكل من أشكال التعاون مع الاحتلال والاستعمار ؛ بدءاً من قوافل شهداء السادس من أيار ( 1916 ) ، عبد الحميد الزهراوي ، ورفيق رزق سلوم، ومحمود شكري الألوسي ، ورفاقهم الذين وقفوا في وجه الاحتلال العثماني البغيض، وأعدموا على أعواد المشانق في ساحة المرجة بدمشق ، على يد الوالي العثماني / جمال السفاح / ، وإلى أبطال مقاومة الاستعمار الفرنسي ، وصناعة الاستقلال الوطني ،من يوسف العظمة ، وصالح العلي، وإبراهيم هنانو ، إلى أحمد مريود ،وحسن الخرّاط ، وسلطان باشا الأطرش ، وصولاً إلى تاج الدين الحسيني ، ومحمد علي العابد، وفارس الخوري، وشكري القوتلي ..!!
ونقارن بين هؤلاء الوطنيين العظام الذين صنعوا الاستقلال بدمائهم ومواقفهم الوطنيّة ، وبين تلك العصابات المأجورة التي تسمّى نفسها (المعارضة ) وأدواتها الإجراميّة ممّا يسمّى ( الجيش الحرّ ) وهي تدّعي المطالبة بـ ( الحرية والاستقلال ) ، بعدما باعت ضمائرها الأخلاقيّة وانتماءاتها الوطنيّة إلى أعداء الوطن ، وعملت أدوات تنفيذيّة في خدمة المؤامرة على حرية الوطن واستقلاله ، وهي تمارس كلّ أشكال القتل والتخريب والتدمير ، ضد الوطن والمواطنين ، وكلّ ما يسهم في إضعاف سورية ويزعزع أمنها واستقرارها ، تنفيذاً لقرارات مشاريع خارجيّة من عواصم إدارة المؤامرة الكونيّة على وطنهم وشعبهم .
ولكنّنا في المقابل ، وعلى الرغم من الألم والحزن ، نتحدّث بلغة التصميم والإرادة الصلبة ، بلغة التفاؤل والأمل ، ونحن نرى رجال أمننا وقواتنا المسلّحة الباسلة ، المتسلّحة بعقيدتها الوطنيّة الراسخة ، وهم يلاحقون العصابات الإرهابية المسلّحة ، ويطاردونهم ويقضون على فلولهم أينما وجدوا على تراب الوطن الغالي ، ويمنعونهم من تحقيق مآربهم لمصلحة الاستعمار الجديد الذي يسعى للنيل من سيادة الوطن واستقلاله ؛ إنّهم حماة الديار البواسل الذين يقدّمون قوافل الشهداء الذين يروون بدمائهم الطاهرة أرض الوطن لتبقى طاهرة عصيّة على أحلام المدنسين وأوهامهم . ويقف إلى جانبهم ، ومن خلفهم ، صفاً واحداً ، شعب أبي عريق في انتمائه الوطني ، شعب صامد في أرضه ، متمسّك بهويته وأصالته ، وبوحدته الوطنيّة مع قيادته ودولته ، التي لم يستطع المتآمرون والمأجورون، مهما حاولوا ، اختراقها أو إضعافها ، لأنّها راسخة رسوخ تاريخ سورية العريق، في ضمائر الوطنيين ووجداناتهم وأصالتهم.
وهذا التلاحم العضوي بين شعبنا وقوات أمننا وجيشنا ، يؤكّد أنّ أحفاد المجاهدين والمناضلين الذين طردوا الاحتلال والاستعمار ، وصنعوا الاستقلال الوطني ، ما زالوا يحملون هذا الميراث المجيد ، ولم يتخلّوا عن الإرث النضالي / المقاوم ، وسيفعلون مثلما فعل أجدادهم من نضال وتضحيات ، وربّما أكثر ، ليطردوا فلول عصابات المرتزقة المجرمين ومن يدعمهم، في الداخل والخارج ، ويحاسبوا أولئك العملاء المأجورين الذين تخلّوا عن ضمائرهم وأعراضهم ، وباعوا شرفهم الوطنيّ لمن يدفع لهم الثمن الأكثر في سوق نخاسة السياسة العميلة، من العربان المتصهينين ( العبريين الجدد) ، والشركاء من أسيادهم في واشنطن وباريس ولندن وتل أبيب.
فشعبنا الذي خبر نيات العملاء والمأجورين ، وأساليبهم التخريبيّة المكشوفة ، وارتباطهم بالقوى التي تريد النيل من صمود هذا الشعب ووحدته الوطنية ، لن يسمح لهؤلاء العملاء والمجرمين أن يتمادوا في غيّهم وفسادهم ، بل سيواجههم بوعي مسؤول وبعزيمة صلبة لا تلين ، وسيفشل مؤامرتهم الدنيئة ، ويسقط مشروع فتنتهم . وسيخرج هذا الوطن من أزمته أكثر قوة في موقفة المقاوم ، وأشدّ صلابة ، تفضل التماسك الوطني والتلاحم الجماهيري ، للحفاظ على أمن الوطن واستقراره ، وصون حريته واستقلاله .
إنّ الاحتفال بعيد الاستقلال ، عيد الحرية والسيادة ، يجسّد مناسبة وطنية تاريخيّة غالية تحفزنا على أن نكون أبداً مستعدين للدفاع عن وطننا، وحماية سيادته واستقلاله، في مواجهة المؤامرات الاستعمارية الجديدة، التي تستهدف وحدتنا الوطنية ومواقفنا القومية ،ليبقى الوطن عزيزاً أبيّاًّ ، شامخاً كشموخ المآثر والأمجاد التي صنعت الاستقلال وأعلت شأن الوطن وكرامته .
وستنتصر سورية الوطن ، وسينتصر الشعب السوري الوطني، وسيعود الأمن والاستقرار ، والحرية والاستقلال إلى ربوع الوطن الحبيب تحت راية العزّة والكرامة ؛ وننشد معاً لكرامة الوطن ،عرين العروبة وقلبها النابض : « حماة الديار عليك سلام ... أبت أن تذلّ النفوس الكـرام»
« عرين العروبة بيت حرام ... وعرش الشموس حمىً لا يضام » .