وهنا تبرز الأولوية لتنمية الريف، ليتحول من بيئة منفرة للشباب بسبب الفقر والتهميش الى بيئة جاذبة بسبب الاهتمام والاستثمار وخلق فرص العمل والاهتمام بالتعليم، أي العمل على ما تقترحه العلوم الإنسانية وهو مبدأ التربية المجتمعية، الذي هو حصيلة الخبرات التي يكتسبها والمبادئ والقيم التي يعتنقها الفرد الذي يعيش في زمان ومكان محدّدين. والتي تستمد قوّتها من المجتمع الّذي تعمل فيه، بهدف تحويل الفرد من مواطن بالقوة إلى مواطن بالفعل يفهم ويدرك دوره الاجتماعي ومسؤولياته ضمن الجماعة الّتي ينتمي إليها، وهذا ما يحدث بطريقة مباشرة ضمن الأسرة والمدرسة والحيّ الّذي يعيش فيه، وهذا النّوع من التّربية هو وسيلة لاستمرار الثّقافة مهما كان الطّابع العام لهذه الثّقافة ودرجة تطورها. فالثّقافة لا تولدُ مع الأفراد ولا تنتقل إليهم بيولوجياً، وإنّما يكتسبونها بالتّعلم والتّدريب والممارسة في دوائر الحياة الاجتماعيّة الّتي يعيشون فيها منذ مولدهم.
وهذا يفرض تركيز الاهتمام على المؤسسات التي تقوم على خدمة الأفراد وتكون البداية من الأسرة (أحد أهم المؤسسات المجتمعية) ثم المدارس يليها دور العبادة ، أيضا اماكن العمل سواء أكانت مؤسسات حكومية أم قطاعاً خاصاً.
ولتحقيق الدور المطلوب لابد أن تكون الزامية التعليم واقعا قائما وليست مسألة صورية، حرصا على التربية قبل التعليم أو بالتلازم بينهما، وذلك لأهميتها الاستراتيجية القومية لكلّ دول العالم، لذلك لا يمكن لأيّ حكومة أن تترك ميدان التّربية لتتولاه أي جهة أو جهود محليّة دون توجيه منها، لأن الانسان أهم مورد للدولة، وهنا يبرز دور التّربية في بناء شخصية الإنسان القادر على مشاركة الآخرين مشاركة صحيحة، الأمر الّذي يدفع إلى توحيد الاتجاهات الدّينية والفكرية والثّقافية بين جميع أفراد المجتمع، على أساس من التّقدم العلمي، والعدالة الاجتماعيّة، وتوفر أدنى وسائل الرّفاهية لجميع أفرادها.