|
بريخت يعيد زيدان إلى الحمراء إضاءات مستكملة أسبوعين من العرض الجماهيري اللافت للنظر،وهو ما يجعل الكتابة عنها الآن – من وجهة نظري- أمراً متأخراً إلى حد ما.. فمنذ بدايات عملي الصحفي، قبل نحو خمس وثلاثين سنة، كنت أحرص، ما أمكنني، على تجنب الكتابة عن أي عمل فني محلي لا يتاح للجمهور مشاهدته، لأن ذلك يحرم القارئ من تقويم النص الصحفي، كما يفقد النص الصحفي جزءاً أساسياً من وظيفته، ومن أهميته، كما كان الحال حين كانت (تتخم) الصفحات الثقافية بمقالات عن عروض خاصة، محدودة الحضور،لأفلام سينمائية سورية حديثة الإنتاج، فإذا ما بدأت عروضها الجماهيرية بعد ذلك بوقت غير قصير، تتم فيه جولتها المهرجانية العالمية، لا تجد من يكتب عنها، مما يزيد من اتساع الفجوة بين القارئ وبين الكتابات المفترض أنها تتوجه إليه.. وللأسباب ذاتها بقيت حريصاً على الكتابة عن العروض السينمائية والمسرحية، وعن المعارض الفنية، بأسرع وقت ممكن.ومع ذلك فإنني هذه المرة أكتب عن مسرحية بعد أن شارفت على الانتهاء من عروضها الجماهيرية لسبب وحيد، وهو أني تريثت بالحضور بانتظار أن يخف الازدحام عليها قليلاَ، وخاصة بعد أن حدثني أكثر من شاب عن فشله لعدة أيام متتالية في شراء بطاقة لحضور المسرحية.. ما الذي أثار اهتمام هذا العدد الكبير من الناس، والشباب خاصة، بهذه المسرحية تحديداً،حتى قبل أن تبدأ عروضها؟ يقيناً أن اسم أيمن زيدان كان له الدور الأكبر في ذلك، فتاريخه المسرحي، حتى ولو لم يكن بسعة تاريخه المهم والمؤثر في الدراما التلفزيونية، يمثل أهم دعاية لعمل مسرحي يحمل توقيعه كمخرج، وقد سبق هذا وقت انتسابه للمعهد العالي للفنون المسرحية فور تأسيسه عام 1977، محققاً حلمه المسرحي القديم، ومتخلياً عن دراسة الاقتصاد، ليكون بعد أربع سنوات أول خريج من المعهد، و يتبع ذلك بدورة للإخراج المسرحي في برلين، ثم يتسلم بعد عودته إلى سورية إدارة «المسرح الجوال» في أولى تجاربه الإدارية الناجحة .. أيمن زيدان في تجربته المسرحية الحالية، اختار نصاً ذائع الشهرة سبق أن قُدم لمرات لا حصر لها على مسارح العالم، ومنها مسارح عربية.وقد كتب«بريخت» هذا النص (دائرة الطباشير القوقازية) إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، مازجاً بين أسطورة تاريخية، وحدث معاصر متخيل ضمن شكلٍ مسرحي، ارتبط باسمه، يعتمد على خلق حالة خاصة في صالة المسرح تتصف بالحيوية، وتنوع الحلول المسرحية، وتخطي المفاهيم التقليدية للعرض، وخلق حالة من التمايز بين الممثل والشخصية التي يؤديها. غير أن أهمية مسرح «بريخت» لم تكن بفعل الشكل المسرحي الجديد الذي قدمه فحسب، وإنما كذلك بفضل المواضيع الإنسانية التي كان ينحاز فيها بقوة للمظلوم في وجه الظلم.. باستثناء تعديل طفيف على شخصية القاضي، حافظ أيمن زيدان إلى حد كبير على النص الأصلي رغم أنه أسقط من عنوانه صفة (القوقازية) ليمنحه بعداً أوسع. كما حافظ على روح المسرح (البريختي)، وروح المسرحية ذاتها باستخدامه الراوي، والأقنعة، والجوقات الغنائية، وحركة الممثلين بين الجمهور. واستبق العرض المسرحي بعرض سينمائي على خلفية الخشبة لمشاهد سينمائية من حروب تاريخية، ووثائقية ومن حروب معاصرة. ولا شك أن عمله الأهم كان في إدارة الممثلين الذين عرفوا السبيل إلى تقديم تباينات شخصياتهم، وتنوعها، وحقق العديد منهم حضوراً مسرحياً مثيراً للإعجاب. وجاءت موسيقا سمير كويفاتي، وغناء جوقة حسام بريمو (قوس قزح)، وأقنعة وديكورات نزار بلال، وإضاءة أدهم سفر، وأزياء ريم شمالي، لتكمل تأثير العرض وإمتاعه، رغم طول مدته التي بلغت نحو ساعتين إلا ربع.. شارك في التمثيل خليط من الممثلين المحترفين، جله من خريجي المعهدالعالي للفنون المسرحية: محمد حداقي، وحسام الشاه، وعروة العربي، ولوريس قزق،ووسيم قزق، وكرم الشعراني، وقصي قدسية،وأريج خضور،وولاء عزام،ونور أحمد، ومغيث صقر، وفادي الحموي،وخوشناف ظاظا، وعلاء ديار بكرلي.. «دائرة الطباشير» يكتسب أهمية إضافية من حرصه على إيصال مقولته إلى كل شرائح جمهور الحضور، ولو تطلب ذلك شيئاً من المباشرة في ختام العرض.. www.facebook.com/saad.alkassem
|