لكن في المقابل, فإن النظرة إلى (إسرائيل), من جانب الشعوب الساكسونية أنها تظل نموذجاً ل «داود المحاط بالأعداء من كل اتجاه. وباعتبار أن العرب ومن خلفهم المسلمين الذين يزيد تعدادهم على مليار نسمة يدعمون, ولو شكلياً الفلسطينيين, فإن ذلك يُعّمق لدى الغرب الاعتقاد بأن (إسرائيل) دولة صغيرة تستحق المساعدة. ومن المفارقة أن كل النجاحات العسكرية والسياسية التي حققتها الحركة الفلسطينية, مثل تطوير مقاومة مسلحة فعالة, وكسب تأييد المنظمات والهيئات الدولية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة, أدى عملياً إلى مزيد من الدعم الأميركي لإسرائيل.
العامل المهم الآخر في زيادة الدعم الأميركي (لإسرائيل) منذ عام 1967 هو الدعوات الدينية التي اجتاحت الولايات المتحدة والتي كان لها تأثير مهم على مواقف الجمهور الأميركي إزاء (الشرق الأوسط). ومن بين نتائج ذلك أن فقدت الكنائس البروتستانتية الليبرالية, وهي الأكثر انتقاداً لإسرائيل نفوذها السياسي والاجتماعي. أما النتيجة الأخرى فكانت زيادة ملحوظة في انتشار الصهيونية التبشيرية بعد أن زاد اهتمام المسيحيين الانجيليين والأصوليين الأميركيين بالنبوءات التوراتية ودور (إسرائيل) المفترض في قيادة الطريق إلى القيامة.
لم يظهر كثير من المسيحيين الانجليين والأصوليين في الولات المتحدة اهتماماً كبيراً بإسرائيل عند قيامها. فالنبوءة التوراتية تفيد أن اليهود سيعيدون بناء الهيكل في موقعه الأصلي وحيث إن المواقع المقدسة في القدس لا تزال بيد العرب, فإن العد التنازلي باتجاه يوم القيامة لم يبدأ بعد, وفي الجانب الآخر, فإن (إسرائيل) العلمانية وشبه الاشتراكية كانت أقل جاذبية في نظر المحافظين عما كانت عليه في نظر الليبراليين.
لقد قلبت حرب حزيران 1967 كل هذا, وحفزت حركة الانبعاث الانجيلي وتجديد العودة إلى النبوءة التوراتية, وقد ظهر النصر الإسرائيلي السريع كمعجزة في عيون كثير من الأميركيين, وكان احتلال المدينة القديمة في القدس يعني في المقام الأول أن موقع الهيكل أصبح الآن بأيدي اليهود وهو ما شكل دافعاً قوياً للصحوات الدينية الأميركية التي ابتدأت منذ ذلك الوقت, حيث تؤكد سلسلة من الكتب التي تلاقي رواجاً واسعاً إمكانية أن يكون العد العكسي لنهاية الحياة قد بدأ كما تنبأ بذلك العهد القديم وستكون بداية ذلك في (الشرق الأوسط).
ومنذ نهاية الحرب الباردة زادت قوة الرابطة بين (إسرائيل) والكثير من المسيحيين المحافظين الأميركيين, وذلك بعد أن تحول اهتمام الكنائس الانجيلية والأصولية إلى الخارج.
وكما في الماضي, أطلق مثل هذا الإحياء موجات من الاهتمام بالبعثات التبشيرية وخاصة أن المسيحيين الأميركيين باتوا يبدون اهتماماً أكبر بأوضاع المسيحيين في العالم, ليجدوا انهم اصبحوا الآن في مواجهة أنشطة مماثلة في الجانب الإسلامي.
ورغم أن الصحافة الأميركية السائدة لا تولي اهتماماً كبيراً لقضية اضطهاد المسيحيين من قبل الآخرين, لكن ذلك لم ينف تأثير هذه القضية على صياغة الطريقة التي ينظر بها الكثير من الأميركيين إلى الإسلام وبالتالي إلى النزاع بين (إسرائيل) وعدد من جيرانها.
إن اتجاهات الرأي العام الأميركي إزاء (الشرق الأوسط) ليست ثابتة أو متحجرة, وقد شهدت تحولات مهمة منذ عام 1967 وتفاوتت أثناء ذلك مواقف الجماعات التي أصبح بعضها أكثر انحيازاً لإسرائيل بينما قل تأييد البعض الآخر للدولة اليهودية وأعداد الأميركيين السود الذين يساندون (إسرائيل) اليوم أقل بكثير عما كانت عليه خلال الحرب العالمية الثانية, ولا يزال المجال متاحاً لحدوث تغييرات أخرى, حيث بوسع زعامة فلسطينية وعربية أكثر إدراكاً لقيم الثقافة السياسية الأميركية وأولوياتها أن تطور تكتيكات جديدة «وفعالة تهدف إلى إضعاف الدعم الأميركي لإسرائيل ويمكن لإنهاء الهجمات الإرهابية مثلاً وقيام مقاومة مدنية غير عنيفة أكثر تنظيماً وانضباطاً أن يغير بعض المفاهيم السائدة عن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ومن غير المستبعد أن يحذو الأميركيون الانجيليون والأصوليون حذو جيمي كارتر الذي انتقل من صهيونية الشباب إلى ما يسميه اليوم موقفاً أكثر توازناً ولكن إذا ما تعرضت (إسرائيل) لأية أزمة, فالمرجح أن ينحاز الرأي العام إليها, ذلك أن الكثير من الأميركيين الذين ينادون اليوم بسياسة أكثر إنصافاً للفلسطينيين يفعلون ذلك لأنهم يعتقدون أن (إسرائيل) ليست في خطر.