د. محمود السيد الانسان الكبير بامتياز وجدارة.. متخم بأخلاق الحب والرضى والعفة, حتى لا يجد متسعاً في نفسه وروحه لغير هذه الأخلاق.. باحث ومتأمل ولغوي, ومعلم أجيال..
القناعات التي يعيها ويحياها ينقلها للآخرين بلياقة وثقة.. يوم صار وزيراً للتربية وجدته مرات ومرات, في الصباح والظهيرة يمسح عن حلمه الانساني الكبير غبار الإهمال, خشية أن يصاب بداء العفونة.. وما أبشع الأحلام العفنة وما أكثرها!!?
والأخلاق يرممها ببراعة البناء الأخلاقي الجدير بالتقدير والوجد, وكيف يرممها? هي القضية الكبرى في تجربة وسلوك وحضور هذا الانساني الكبير: يوسع النفس لاستقبال الأصدقاء والمعارف والأقرباء والأهل الذين لم يعرفهم ولم يقترب منهم من قبل.. وهنيئاً له بنفس واسعة كحدود سماء القرى المشرفة على خضرتها وسهول وجد الأشجار ورؤى الينابيع.. ويحق لنا نحن طلابه وأصدقاءه ومحبيه ومعاشريه قليلاً أو كثيراً أن نشهر سيوف دهشتنا أمام روح عالية الهمة, تقدر على رفع الأثقال والأعباء: كل وقت تشيل بين يدي رضاها أوجاع وتصدعات المقبلين على الحياة, من غير إمكانات كافية للحياة ومتطلبات البقاء والعيش والتعلم والتربية.
د. محمود السيد صديق البيئة الأخلاقية النظيفة ومدرس كبير في جامعة الحب والانسانية, ومؤلف قناعات رحمانية, وأقصد بالرحمانية, الصادقة والبناءة والمترفعة على البشاعات.. إنسانيٌّ جميعه.. وثقافي من الطراز الرفيع, ولعل الشأن الاداري في حياته وشخصيته ظل في الصف الثاني أو الثالث قياساً مع الانساني والثقافي..
في محطته الوزارية التالية, في وزارة الثقافة حافظ على صداقته مع البيئة الأخلاقية وظل واحداً من حراسها والمشجعين لنقائها ونجاحاتها..
بشجاعة الطيبين النبلاء يهتدي الى الأخلاق النظيفة, ويصادقها ويتعايش معها بأريحية, وحين يلتقي الموظفين أو المحتاجين أو الفنانين أو المفكرين أو المشردين تشارك أخلاقه النظيفة في تتمة اللقاء وتسور صاحبها العالي كأبهة الرياح الماطرة والغيوم السخية وأزجال القرويين المترفين برقة البوح وعتابا الجبال النازلة الى المدينة للتسوق وشراء الحاجات الماسة..
قرويو الجبال لا يقصدون المدينة إلا عند الحاجة, ويرجعون منها عند انقضائها.
وغالباً يخصصون لرحلاتهم هذه أكياساً قوية وأحياناً يستعينون ب (السلات) المصنوعة من أعصاب القصب.
في الأكياس يضعون الحاجات التي لا يؤذيها التزاحم والتراكم والانضغاط, ويتركون السلال القصبية للأغراض الحساسة واللينة, والمأكولات وأنواع الحلوى..
أذكر جيداً جارنا القديم كيف كان يهيىء كيسه الأبيض بعناية فائقة, ويرتب أحوال سلته القصبية الأنيقة: يملأ الكيس بأشياء, والسلة بأشياء أخرى, وحين الذهاب تعرف القرية بأكملها خبر نزوله الى المدينة, وحين الرجوع تعرف القرى المجاورة أيضاً, جراء نداءاته الصارخة الرعادة التي تنبىء الجميع: أنه عاد من المدينة.. وامرأته في الحال تجيب على النداء, وتسرع الى حيث وقف ومعه الحاجات والمأكولات..
د. محمود السيد, ليس بعيداً عن هذه الصورة, ولا أظنه أو نظنه خائناً لعهده ذاك مع مخزون أخلاقه وحميمية علاقاته مع نفسه والكون والكائنات..
كيسه مملوء بالرضى والوجد والمودات والثقافة اللغوية وأنواع شتى ومجتمعة من الأخلاق البلدية النظيفة والعذبة..
الرجال الطيبون, والنساء الطيبات.. الجبليون أو السهليون أبناء القرى أو أبناء المدن أوطان للحب بقدر ما يحملون من شجاعة الحب, وأوطان للأخلاق النبيلة بقدر ما هم نبلاء.. وأوطان للقناعات الراقية بقدر رقيهم..
الطيبة والنبل والرقي سلوكات وإنسان من حزن وفرح وانتظار ولقاء وعون وإخاء, وليست مفردات للزينة كالعصافير التي تحذف من أفقها وأغصانها لصالح الأقفاص!?