أمثلة الشخصيات العامة, الموسيقيون ,والفنانون عامة , الرسامون , السينمائيون , المسرحيون , الأدباء , المبدعون في شتى المجالات التي تعني (الناس ) أو الموجهة للناس متقصداً نحيت جانباً الشخصيات العامة السياسية والحزبية والاقتصادية ,وأصحاب الأموال وأصحاب الأسواق واللاعبين المهرة بالبورصات وذوي التحركات والكساد والانتهازية المبنية على استغلال حاجة الناس عبر (الاحتكار) .
ومالايجوز لهم بمعنى أن يغدروا الناس في كل ردود أفعالها حيال أي حدث أو حديث يخصهم أقول إن ماأثار الموضوع - وبضجته التي لاتزال في كياني - هو قراءتي ماكتبه الروائي العزيز حنا مينة وأودعه الثورة الغراء - الوصية .
من حقه أن يتمنى على الآخرين ,ومن حقه أن يطالبهم أيضاً بمايريد , ومن حقه أن يحدد صورته (النهائية) بعد أن يغادر هذه الفانية - كمايقول وأنا معه أردد .لكن ليس من حقه وليس من حق أي إنسان آخر في الدنيا أن يمنع المشاعر الإنسانية من أن تتفجر وتتدفق في لحظة صدق - إيجاباً - فرحاً , ترحاً حزناً أو سعادة .
حنا مينة شخصية عامة - أراد ذلك أم لم يرد ومينة مثل يحتذى لكثير من الناس , في مسيرته الإبداعية وفي قتاله الضاري للفقر ومقارعته الباسلة الشقاء والانتصار عليه.
أريد أن أذكر عزيزي حنا أننا وقبل نحو أربعين عاماً كنا في مبنى المعرفة التابع لوزارة الثقافة حين سألني بعد صمت قصير : كم عمرك ? أجبته : ثمانية وعشرون عاماً . كأني رأيت في عينيه طيف دمعة , قال خلالها : نيالك إنك في عز الشباب أمامك الوقت طويل , بعد أنا - وقاطعته : اللّه يعطيك العمر والعافية . أريد أن أذكره أنه في ذلك الحين كان قد أصدر ثلاث روايات هي بقايا صور - والشراع والعاصفة - والمصابيح الزرق . وكنت أنا شخصياً قد كتبت - في البعث الغراء - عن الشراع والعاصفة ماأثار غضب الشاعر العزيز علي الجندي الذي رد علي في الصفحة الأخيرة ذاتها متهماً إياي بالالتزام التام ( بمكان الوظيفة وزملاء الوظيفة) ما رددت وما امتعضت , لكني كنت متأكداً أن حنا أنموذج للصمود والمثابرة والقدرة على التخطي والنجاح وتحقيق السعادة وهو يعترف في رسالة الوصية أنه عاش سعيداً جداً في لجة الحرب التي كان يشنها على الشقاء . سبب سعادته أنه انتصر على الشقاء وصار واجباً عليه ومن حقه أن يفرح ويسعد .... وكان ماكان .
سيرة حياة حنا مينة ليست ملكاً شخصياً له . ومشاعر الناس حياله ليست من اختصاصه ولاهي خاضعة لتعليماته ولاحتى لتمنياته . لكننا نعرف أن العباد في النهاية فانون - أكانوا عتالين أ م سلاطين , أكانوا سعداء أم أشقياء - أو كانوا مجاهدين أم مغدورين - ذي سنة الحياة , وقلت قبل هذا إن البطولة اليوم تكمن حقاً في مواصلة الحرب على كل المنفرات والمنغصات والمصاعب والمتاعب والحواجز أي مواصلة الحياة . إن نسبة كبيرة جداً من أناس اليوم يقضون أوقاتاً طويلة جداً في العمل لكي يجمعوا القوت اليومي لهم ولخلفهم من الأطفال , وهناك عدد من الناس ربما لايصل إلى المليون من مجموع سبعة مليارات - لايدرون أي شيء عن المكابدة والشقاء , ولايعنيهم أمر محمود درويش وقضيته أو نجيب محفوظ كمالايعنيهم أمر حنا مينة أو علي الجندي أو أدونيس أو أي مبدع آخر في الدنيا الصغيرة هذه . إنهم النسبة المكثفة للكارثة البشرية - فهم من يتسبب في الشقاء وفي عربدته , وفي تسيد المشهد للقتلة والمجرمين وأعداء الحريات والشعوب - ومريدي إفقار الشعوب وإهدار كرامة بني البشر.
حنا مينة كان ( منذوراً للشقاء وفي قلب الشقاء حارب الشقاء وانتصر عليه ) . من حق الناس إذاً أن تعرف وتقرأ وتتابع لتقتدي بمن هذه أهم صفاته ,والتواضع الذي عنه يتحدث صفة الكفوءين من الناس , الذين كلما عرفوا أكثر تواضعوا أكثر وكلما سموا أكثر انحنوا إجلالاً للحقيقة واحترموا القدرة الإنسانية أكثر .
وإذا كان حنا مينة - كما نفهم من الرسالة قد عاش وحيداً إلا من أم العيال - فإنه لم يكن كذلك وليست هذه حاله اليوم . كل القراء والمتابعين أهله وأعزاؤه وهو عزيزهم وحبيبهم .
أعتذر لحنا أنني لم التق به حتى اليوم منذ 1971م - لكنني كنت وإياه أو كان معي دوماً هو وكل الأحبة والزملاء الذين تعرفت إليهم وعايشتهم في دمشق الحبيبة وفي اللاذقية الطيبة وفي حلب الشهباء . لماذا لم ألتق به ? منذ عام طلبت هواتف المحبين والزملاء وفوجئت بأنني أخذت مقلباً : معظم الأرقام التي حصلت عليها كانت إما قديمة ولم تعد عاملة وإما مستبدلة .وبصرف النظر عن كل الاعتبارات فالشخصية العامة ملك للعام وليست حكراً لأشخاص بعينهم . اعذرني أخي حنا إن قلت لست معك في تحريم نشر أي خبر محزن مثل وفاتك إذ تقول آمل وأشدد على هذه الكلمة ألا يذاع خبر موتي في أي وسيلة إعلامية , مقروءة أو مسموعة أومرئية .... لن تمتد يدك من وراء حجاب الدنيا لمنع انتشار الخبر , ولن تحمل أناملك مناديل ورقية تمسح بها دمعة تحدرت من مقلة كانت ذات قلب أحبك يوماً أو أعجب بكتاب من كتبك في زمان ,ولن تستطيع أبداً الولوج إلى صدور تكنُّ لك احتراماً وتتمنى لك الانتصار في الحياة وفي الممات ....أيضاً .
nawafabulhaij @yahoo.com