تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عمالة الأطفال بين جهل الآباء لأهمية التعليم وفقر الحال

مجتمع
الخميس 30-6-2011
منال السماك

كما تختلف أسماؤهم تتنوع أماكن تواجدهم ونوعية الأعمال التي يمارسونها، إلا أن قاسماً مشتركاً يجمعهم.. إنها الطفولة التي سلبت منهم،

فاستعاضوا عن مقاعد الدراسة بورش العمل، واستبدلوا دفاترهم وأقلامهم بأدوات قاسية على أيديهم الصغيرة، وانطلق بعضهم إلى الطرقات لممارسة تجارة متواضعة، عوضاً عن ملاعب الطفولة والأندية، لأن لقمة العيش من أولوياتهم..‏

إنها ظاهرة عمالة الأطفال، والتي تعد مشكلة تستحق الوقوف عندها، لما تخلفه من آثار شديدة الخطورة على الفرد والمجتمع، فما الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة، وما التأثيرات السلبية لها؟.‏

بعيداً عن رقابة الأهل‏

البعض قد يدفعه الفقر والحاجة لممارسة بعض الأعمال الخدمية كمسح الأحذية أو بيع بعض المواد التجارية على الأرصفة أو ملاحقة المارة في محاولة حثيثة لإقناعهم بشراء مابحوزتهم.‏

«تغريد» في العاشرة من عمرها وأختها «عبير» في الثامنة، اتخذتا من ساحة الحريقة مركزاً لهما لبيع أوراق اليانصيب، وقد لفتت نظري وهي تطاردني وترجوني أن أشتري منها فوقفت لأتبادل معها الحديث، في محاولة لمعرفة شيء عن ظروفها الاجتماعية فأخبرتني أن والدهما يأتي بهما إلى هذه المنطقة صباحاً ويعود لأخذهما في الخامسة مساء، وهما لم تلتحقا بالمدرسة أبداً.‏

وقد بررت ذلك بأنها لاتحب المدرسة، ووالدها فقير جداً، وهي تساعده بالمصروف.‏

وتغريد ليست الطفلة الوحيدة التي أرغمتها الظروف على العمل بعيداً عن الرقابة الواعية للأهل، فغيرها كثر، وحتى إن كان الطفل ملتحقاً بالمدرسة فهو عامل خارج أوقات الدوام المدرسي وكذلك في العطلة الصيفية، وعوضاً عن نيل حظه الوافر من الوقت لأداء الواجبات المدرسية، أو حتى ممارسة حقه باللعب، فهم ينصرفون لأعمال لاتتناسب مع قدراتهم الجسدية والعقلية.‏

أين مستقبله الدراسي؟‏

ليس الفقر وحده الذي يدفعهم للعمل، بل أيضاً الجهل لأهمية التعليم وتكاسل واتكالية من الأهل والاعتماد على الأطفال لجمع المال، فوالد «عمر» حسبما أخبرني أنه كان يعمل بالباطون، ولكن بعدها أصابه الدسك استلقى على سريره وأجبره على ترك المدرسة والعمل في ورشة حدادة ضارباً عرض الحائط بمستقبله الدراسي، وبخطورة ماقد يتعرض له أثناء أداء العمل رغم أنه لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره.‏

عرضة للحوادث!!‏

وقد لانحتاج إلى الكثير من البحث عن أطفال عاملين، فسنجدهم في ورش الميكانيك والحدادة والنجارة، وغيرها من المهن اليدوية والخدمية، ونصادفهم أمام إشارات المرور، يفرضون أنفسهم على أصحاب السيارات لمسح زجاج سياراتهم، مقابل بضع ليرات، تقابلها مخاطر جمة في حوادث طرقية، أوأن يكونوا عرضة للتحرش والانحراف.‏

عن أسباب عمالة الأطفال ومخاطرها تحدثت إلينا الاختصاصية التربوية الدكتورة منى كشيك مدرسة في جامعة دمشق، حيث أكدت أن لهذه الظاهرة أبعاداً خطيرة على المجتمع والفرد معاً، فالعامل هنا ماهو إلا طفل أجبرته الظروف على التوقف عن اللعب في فصل الصيف والعطلة المدرسية أو العمل في أوقات الدوام المدرسي، سعياً وراء لقمة العيش، ما أجبره على ترك المدرسة، وهذا جعل من عمالة الأطفال من أهم مظاهر الهدر التربوي، حيث يتحول الطفل إلى مواطن تغلب عليه الأمية مايضعف من مشاركته في بناء مجتمعه.‏

قلة وعي الأهل‏

ولفتت د. كشيك إلى أن هناك خصائص لأسر الأطفال العاملين، وكذلك أساليب التنشئة الاجتماعية التي تحدد مسار حياتهم، فارتفاع عدد أفراد الأسرة يشكل عبئاً مادياً، وكذلك فإن المستوى المهني للآباء وخبراتهم المكتسبة تؤثر إلى حد كبير في توجهات الأبناء ومسارات حياتهم، فهؤلاء الأطفال آباؤهم إما عمال يدويون وإما عمال خدمات و باعة.‏

كما أن تدني مستوى تعليم الآباء يؤثر في اتجاهاتهم نحو تعليم أبنائهم وعلى وجه الخصوص عندما يتعثر الأبناء في مراحل التعليم الأولى، فإنهم يسارعون إلى إلحاقهم بسوق العمل كي يتعلموا حرفة مماثلة لحرفتهم، وكلما انخفض المستوى التعليمي عند الأهل، ارتفعت إمكانية ترك الطفل للمدرسة والتحاقه بالعمل في سن مبكرة، وهذا يبرره قلة الوعي لقيمة العلم، والجهل لايقل تأثيره عن الفقر، فمعظم الأطفال العاملين ينتشرون في المناطق الفقيرة حيث ينتشر الجهل.‏

مشكلات دراسية‏

وأشارت د. كشيك إلى أنه لايمكن نكران مشكلات الدراسة التي يمكن أن تواجه الطفل، كعدم مقدرته على التكيف مع المجتمع المحيط وزملائه في المدرسة، وتأخره الدراسي والضعف العقلي والعضوي، والجو العائلي المشحون بالفوضى، وعدم التفات العائلة إلى مايعانيه الأبناء في الدراسة.‏

وقد نجد البعض من هؤلاء الأهل قد رغبوا في تعليم أبنائهم والتحاقهم بالتعليم فعلاً، ولكن هناك أسباباً أخرى أسهمت في تسربهم الدراسي مثل كراهية الطفل للمدرسة والفشل وعدم الرغبة في التعلم وضعف الفهم والإدراك، وكذلك تأثره بصحبة السوء.‏

آثار مدمرة‏

إن الطفل الذي يستغل اقتصادياً بالعمل الذي يقوم به يتأثر بشكل سلبي، وعمله يترك آثاراً مدمرة عليه، وهذا ما أكدت عليه د. كشيك حيث إن عمالة الأطفال تساهم في انخفاض قدرة الطفل على القراءة والكتابة وتحد من تطوره المعرفي وقدرته على التعلم والخوض في مشواره الدراسي، فضلاً عن أنه يهدر وقته على حساب الدراسة، هذا إن لم يمنعه من متابعتها.‏

كما أنه يؤثر على تطوره الاجتماعي والأخلاقي، فيشعر الطفل بالظلم، وكذلك يؤثر على تطوره العاطفي والنفسي، فيفقد احترامه لذاته وارتباطه الأسري، جراء بعده عن أسرته وتعرضه للعنف أحياناً من قبل صاحب العمل أو زملائه، كما أنه قد يتعرض لبعض الأمراض التي تؤثر على نموه الجسدي وسلامته الصحية، نتيجة الحوادث بسبب قلة خبرته وضعف قدرته على القيام بأعمال تفوق طاقاته.‏

تفعيل القرارات المناهضة‏

وأخيراً..‏

قد يستحيل وضع حد لعمالة الأطفال قبل القضاء على الفقر والجهل، فليس هناك شك في أن القطاعات الأشد فقراً هي المصدر الرئيسي للأطفال العاملين، لذلك فإن الفصل بين الفقر وعمالة الأطفال أمر غير ممكن، لذلك ينبغي تقليص مساحة الفقر، وتفعيل دور القرارات المناهضة لعمالة الأطفال، وكذلك تفعيل دور المؤسسات والجمعيات الأهلية للاهتمام بالأطفال مادياً ومعنوياً، لحمايتهم من الاستغلال المادي ومن مخاطر العمالة المبكرة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية