(ريما) امرأة جبلية، بامتياز، جمالها يانع وأخضر، وقامة كأنها قصيدة سرو وسنديان وعرائش.. وعينان أغنيتان من طرب ودروس شوق وذهاب متأخر في ليل ماطر.. كل ملمح من ملامحها يحكي سيرة ريح وقصة مطر وحكاية راعٍ ٍ يرقب خط البرق والصباح..
جسد معتد كتلات قمر.. ونفس حنونة ومثقفة بالشجاعة وتعبيرات الصراحة والصدق والمواسم والفصول.. تأخرت ريما مرة عن الشهادة الثانوية، فالتحقت بشهادة حب، وفيما بعد صارت أستاذة عشق جبلي، لا تشوبه كذبة، ولا تعترض خط سيره عثرات الخديعة وقلة الوفاء.. ما أجملها هذه العصفورة الرائعة الغناء والأغصان... إنها مثل موسوعة ألفة ورقة ووطن...
حبيبها ليس من القرية الجبلية.. عرفته يوم جاء ومعه الدروس في الموسيقا واللغة العربية والرياضيات.. يومها عرفت كيف تنجح في إلقاء درس النظرات العاشقة، فغدا الأستاذ طالباً في مدرسة عيني ريما.. وصار يحفظ عن ظهر قلب كلمات النظرات ورسائلها وإرشاداتها..
عرفناها قريباً، في عيد ميلاد ضم عشقاً جبلياً وسهول أحاديث ومدن توق وقرى انتظارات طروبة بأشواقها.. في البدء أفزعتنا بأحزانها ومحاسنها.. وخشي صديقنا الميسور العاشق الراسب في ابتدائية النظرات والصبابات أن يتقابل مع صوتها أو صمتها، بمفرده. تمنى اللقاءات بها مع المجموعة ، كيلا يختل توازن قلبه وجريانه ويضل يضيع في زحمة الحسن والبهاء والرقة الصافية.
تقول : ( الجبليون لا يزورون الأقرباء والأصدقاء دون أن يحملوا معهم سلال العنب والتين والضوء والعطر من التلال والشجر والحجر والنظر.. وحين يعشقون تحمل قلوبهم سلال الألفة والحنين، وتهديها للقلوب التي تحبها وتلاقيها عند المنحدرات والضائقات والأزمات.. والقلوب الجميلة لا ترتدي قماشاً يعزلها عن حبها..
وكل قلب فيه جانب جبلي ونقي ويهتدي بالعشق الكبير والوطني، وكل فؤاد يتسع للسعات نحل الحياة والبساطة والأسى.. الأفئدة كالزهر تتحاور مع اللسع والنحلات، وتتبادل الأنخاب.. وعشقاً إثر عشق يصير الأحباب جبليين، وتصفو خبراتهم الروحية كينابيع الحواكير البعيدة وراء الأعالي والغابة..).
منذ عشق وقليل من السفر وراء الحب، وقفت (ريما) الجبلية عند حدود وجدان صديقها الراسب في ابتدائية الألفة العشقية: أنت فيلسوف صغير وجميل ، وعقلك مهيأ لعافية العلاقة العاطفية الزاهية، لكنك تصادق الخوف على حساب الشجاعة ، وتعطي كامل قلبك لامرأة أطفأت قنديل جسدها الزوابع الهاربة من وجه القدر..
رغم أنك ميسور وذو غنى عائلي، أراك كل حين مشرداً و فقيراً وبلا قمصان أشواق.. ماذا تركت لنفسك؟
ويجيبها:
- تركت لنفسي وطناً في عينيك.. وأغنيات زرقاء في الشطآن المهجورة.
-- أعدك أن أحفظ لك حق اللجوء العاطفي إلى وطن العينين والقلب، إن كنت أهلاً لهذا المجيء إلي..
وقبل اكتمال دورة الكلام العاشق ووطن العينين.
- اكتشفته زوجته متلبساً بخشية أكبر من العشق وخوف لا يصلح لترقيع عباءة عاصفة..
وهطلت الزوجة على العاشق الراسب بمطر نقمتها، وانطفأت أكثر.. وعلى إثر ذلك فرت الـ ريما إلى جبل عشق بعيد عن أعين الحساد والبطرين..
خافت على ذوقها وعافية عواطفها. لكنها لم تستسلم وأعلنت العصيان واللجوء إلى حبها الجبلي ..
قريبها أو جارها الطحيني المجتهد بالمجاملات، والفاشل بالصدق والصفاء، حاول المرة تلو المرة أن يكون طفلاً في روضة حواسها، فرفضته وقالت عنه:
لا يصلح إلا للمجاملات وزمان خانع وخائن لا يؤتمن على مشاعر الحب ووطن العينين.
طردته من محميات عينيها عندما كان طالباً، وعندما صار مسؤولاً طردته أكثر حذراً من لغة قلبه المجردة من العاطفة وحرفة القلب.. وأخيراً صار مسؤولاً أكثر فطردته أكثر، ولجأت إلى جبل بعيد عن متناول رياح مجاملاته وعواطف علاقاته المتهمة بالانحياز الكبير إلى المصالحات والاجراءات السوقية.
(ريما) في عز الأزمات تقول:
الحب لا يصبح لاجئ شفقة أو مجاملات أو خيانة.. وحين يقبل على نفسه الانحطاط يصبح لا حباً ولا جبلياً ولا إنسانياً.. يصبح فقر حال وطلب إعانة غرامية وطلب قرض في وطنية العشق الجبلي والبحري والكوني ...
كل صباح تشرب والوطن عصير ألفة وقهوة جمال وشاي قصيدة جبلية.. وكل لقاء تحمل بين يدي قلبها غيماً ومطراً وحفنة أشواق غير ملوثة.
وتعلم الأحباب: كونوا أحباباً ويكفي..
وكونوا وطنيين في جميع الفصول.. وكونوا أناساً عند كل المنحدرات ...
كل حب هو جبلي وكل وطن هو في العينين، وكل عاشق راسب عليه أن ينجح.. يعيد الامتحان ويعيد حتى يتفوق، أو ينجح على الأقل..
النجاح (الشحط) غير جيد وغير مقبول في ثقافة العاشقين، إلا لدى الذين يخسرون صفاء الجبال ويربحون تلوث المجاملات.. الوحل مجامل بارع.. والمستنقعات قد تخدح الأقدام والدروب .
(ريما) عاشقة جبلية من مطر وطين ورياح وصفاء، رفضت المسؤول المجامل وجميع ما لديه من كذبات مصنوعة بدراية وعناية.. وتأملت خيراً في صديقها الذي يخاف انطفاء قناديل زوجته، فينطفىء مثل انطفائها.. ولأنها تأملت خيراً فيه، وعدت أن تعيد له الامتحان والدروس..
وفي كل الأحزان ظلت تحضن في عينيها وطناً حلواً وراقياً يشبه جميع الحب والكلمات التي لا خطأ فيها .
شكراً لوطن يعلمنا أجمل الحب والكلام، ويشرب معنا الشاي والقصائد رغم كل الأزمات.