وهذه العبارة التي تم اختيارها بعناية كان لها بلا شك صدى جيداً لدى مرسى وجماعة الإخوان المسلمين الذين طالما انتقدوا علاقة السيد والتابع التي يعتقدون أن نظام مبارك السابق قد أقامها مع الولايات المتحدة.
ولا شك أن مرسي ليس هو اللاعب الوحيد الذي ستتعامل معه الولايات المتحدة خلال المرحلة المقبلة، ذلك لأن قادة المجلس العسكري الذين أداروا البلاد منذ إطاحة مبارك في شباط 2011 سوف يسمحون له، كما هو متوقع، بسلطة تنفيذية جزئية بعد أن استعادوا السلطة التشريعية عقب حل أول برلمان منتخب ديمقراطياً في تاريخ البلاد.
والسؤال المطروح: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تتعامل «على أساس من الاحترام المتبادل» مع الحكومة المصرية الجديدة التي سيصعب التعامل معها، بسبب الصراع على السلطة والصلاحيات بين الرئيس الإسلامي المكبل والقادة العسكريين المصممين على إبقاء السيطرة في أيديهم على الأقل حتى يتم وضع دستور جديد للبلاد يحمي نفوذهم ومصالح المؤسسة العسكرية؟
ولا شك ان إظهار الاحترام للمصريين سوف يعني الاستعداد لإعادة ضبط العلاقات الأميركية- المصرية بحيث تتجه أكثر نحو التجارة الحرة والاستثمار اللذين تحتاج إليهما مصر بشدة كي تتمكن من توفير الوظائف لسكانها الذين يزيد عددهم على 80 مليون نسمة، ويشكل الشباب نسبة كبيرة منهم، وتبتعد تاليا عن التركيز على المساعدة العسكرية التي لا يستفيد منها سوى القلة.
لا خلاف على أنه يجب على واشنطن أن يكون لها علاقات عسكرية ممتازة مع القاهرة، ولكن يجب ألا يكون ذلك على حساب المصالح المدنية. وهو ما يعني ضرورة ألا تحدد الولايات المتحدة المساعدات العسكرية التي تمنحها لمصر على أساس عشري (كل عشرة سنوات) وإنما يجب أن تحدد كم هي المساعدات التي ستقوم بمنحها لها سنوياً بناء على احتياجات مصر الدفاعية الحقيقية وبناء على الحد الذي سيسمح به الجنرالات ببناء الديمقراطية.
ومن الطرق الأخرى التي يمكن بها إظهار الاحترام للشعب المصري الدفاع عن القيم الديمقراطية على نحو أكثر وضوحاً مما قامت به إدارة أوباما حتى الآن. فقد ظل كبار المسؤولين الأميركيين لما يزيد عن عام صامتين بشكل تام تقريبا وهم يرون الجنرالات يديرون مرحلة انتقالية في عهد ما بعد مبارك على نحو شبه كارثي، متسم بانتهاكات حقوق الإنسان، وبالتلاعب الدائم في تواريخ الأجندة السياسية أو خريطة العمل، في الوقت الذي كان الاقتصاد يشهد فيه هبوطاً حاداً وتتعرض فيه منظمات حقوق الإنسان للمضايقات، بينما تساق المؤسسة القضائية التي كانت تحظى بالاحترام ذات يوم نحو عملية تسييس واضحة.
وبعد أن فرض الكونجرس شروطاً إضافية على منح المساعدات لمصر العام الماضي، تنازلت الإدارة عن تلك الشروط معربة عن ثقتها بقادة مصر العسكريين وهي ثقة تبين أنها لم تكن في محلها.
وقد بدأت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بداية جيدة على عكس هذا التوجه الشهر الماضي، أثناء تلك الفترة المتوترة التي بدا فيها القادة العسكريون مستعدون لحرمان مرسي من فوزه الانتخابي، وذلك عندما قالت في مقابلة لها مع المذيعة تلفزيونية إنه من الضروري أن يقوم القادة العسكريون بتسليم السلطة للفائز في الانتخابات.
وإذا ما كان الاحترام المتبادل عبارة عن طريق ذي اتجاهين، فإن الولايات المتحدة ستتوقع الحصول على مقابل ما من مصر نظير احترامها لها!.والحقيقة أن كلينتون أوضحت في تصريحاتها ومقابلاتها الأخيرة بعض التوقعات في هذا المجال منها أن مرسي يجب أن يعبر عن حقوق ومصالح جميع المصريين دون استثناء بما في ذلك المسيحيين والنساء، وألا يشغل الاسلاميون مناصب مؤثرة في حكومته، إضافة لذلك تنتظر الولايات المتحدة احتراماً من قبل مصر لبعض حقوق الإنسان العالمية، والاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية السلام مع إسرائيل، كجزء من العلاقة الجديدة.
وفي اطار هذا الاحترام المتبادل ينبغي أيضا حل القضية القانونية ضد المنظمات الأميركية غير الحكومية التي اختلقتها الحكومة الموجهة من قبل العسكريين العام الماضي. فهذه القضية لازالت معلقة في المحاكم، وتعوق المساعدات التي يمكن للولايات المتحدة تقديمها لمصر في المجال الاقتصادي ومجال تعزيز الديمقراطية.
ويمكن لمرسي حل هذه القضية بسهولة ودون تدخل من القضاء وذلك من خلال إصدار الأوامر للوزراء المعنيين بالموافقة على تسجيل الطلبات المقدمة من المنظمات الأميركية حسب القوانين المعمول بها في مصر والتي تم تسليمها بالفعل للجهات المعنية منذ عام.
ولكن يجب على واشنطن أن تكون أكثر اهتماماً من قبل . إذا ما أرادت أن تقنع المصريين أنها جادة في التعامل « على أساس من الاحترام المتبادل » مع مصر بحيث تمنح هذا الاحترام وتحصل عليه بالمقابل.
بقلم: ميشيل دان