ولا سيّما تلك التي تتعلّق بشؤون الدول الداخليّة وإحلال السلام والأمن في العالم . فهي بين حين وآخر تغيّر تلك المواقف بحسب المكان والزمان ، وما يقتضيه الحال من التغيير وإن كان يمسّ بمصداقيّة تلك الدول .
وإذا كانت الشواهد كثيرة على تلك الدول ، فإنّ الشاهد الأقرب والأكثر مصداقية، هو ما حدث في مؤتمر جنيف حول الوضع في سورية ( 30/6/2012) وما حدث في باريس ( 7/7/2012 ) في اجتماع ما يسمى ( أصدقاء سورية) ، أي بفارق أسبوع بين الحدثين ، تغيّرت مواقف بعض الدول التي شاركت في اجتماع باريس أكثر من ( 360 درجة ) عن مواقفها في مؤتمر جنيف ، ولاسيّما الثلاثي (الأمريكي – الأوروبي- التركي ) يقابله الموقف الثلاثي العربي ( السعودي- القطري-الجامعي ) . والمقارنة في ذلك ليست ذات صعوبة .
ففي البيان الختامي لمؤتمر جنيف ، تمّ الاجتماع على التمسّك بخطّة المبعوث الأممي ( كوفي عنان ) ، من خلال دعمها وتقديم مستلزمات نجاحها ، وفي اجتماع باريس أعلن عن عدم جدوى خطّة ( عنان ) وضرورة البحث عن بدائل أخرى ، لمعالجة الأزمة السورية .
وفي جنيف تمّ الاتفاق على ضرورة وقف العنف بأشكاله المختلفة ، ومن الأطراف كافة ، عسكرة المعارضة ؛ وفي باريس ارتفع مستوى التحريض على العنف من قبل العصابات المسلّحة ودعمها، وتقديم التبرعات السخيّة لها بملايين ( الدولارات واليوروات) وغيرها .
في جنيف أعطيت الأولوية للحلّ السلمي للأزمة السورية ، ودعمه من خلال التشجيع على الحوار الوطني الشامل بين أطياف الشعب السوري كافة ؛ وفي باريس تمّ التشديد على إسقاط الدولة السورية الحالية ، وإقصاء رموزها عن المشاركة في أي حوار أو حلّ سياسي .
في جنيف تمّ التأكيد على حكومة وحدة وطنية تستطيع أن تتجاوز الأزمة الراهنة التي تعيشها سورية ، على أن يترك تقرير ذلك للدولة السورية والشعب السوري ؛ وفي باريس ارتفعت الأصوات المنافقة المطالبة بتنحّي الرئيس ، وعدم إشراك أي من رموز السلطة الحالية بأي حكومة أخرى .
ومع أنّ الجانبين/الروسي والصيني / اللذين كانا فاعلين في مؤتمر جنيف ، ردّا بالتأكيد أنّ البيان الختامي لمؤتمر جنيف دعّم خطّة كوفي عنان ، ووضع الخطوط العامة لحلّ الأزمة السورية وفق بنود هذه الخطّة ، ولم يتعرّض للتفاصيل في كيفيّة الحوار الوطني وشكل الدولة والحكومة ، ومن سيكون فيها ، بل ترك ذلك للشعب السوري بمكوناته المختلفة من دون إقصاء أحد ، على أن تقوم الدول المشاركة بتقديم المساعدة للسيد /عنان / وللشعب السوري، ، لإنجاز الحلّ المناسب الذي يحفظ وحدة سورية وسيادتها.
ولكنّ أقطاب المؤامرة على سورية ، من العرب والأجانب ، تنكّروا لمضمونات بيان مؤتمر جنيف وراحوا يتبارون في توجيه الاتهامات الباطلة للنظام السوري ، على أنّه يعطّل مهمّة (كوفي عنان) ، بينما يستمعون إلى أصوات المعارضة الحاقدة، وتهديداتها بتصعيد عملياتها الإرهابية ضد الدولة السورية والشعب السوري ؛ لا بل يثنون عليها ويؤيدون مواقفها الرافضة للتعاون مع خطّة / عنان / واللجوء إلى عقوبات ضد النظام الوطني السوري، بحسب ما يقرّه الفصل السادس للأمم المتحدة .
ومع أنّ الدولة السورية أبدت كلّ اهتمام وتعاون مع السيد عنان منذ بداية مهمّته ، وكما صرّح بذلك مراراً وآخرها تصريحه بعد لقائه السيد الرئيس / بشار الأسد / يوم الأحد في التاسع من تموز الحالي ، فما زال أصحاب المؤامرة وأدواتها مصرين على التمادي في نفاقهم وتدليسهم، لإفشال هذه الخطّة التي أقرّها مجلس الأمن وبناء على طلبهم ، الأمر الذي حدا بالسيد عنان أن يردّ على منتقديه والذين تطاولوا عليه في اجتماع باريس ( أعداء سورية ) ، ووجّهوا له لوماً لاذعاً لعدم حضوره هذا الاجتماع ، من المشيخات الخليجية وفي مقدّمتهم ممثّل دولة (الإمارات العربية المتحدة) الذي أعطى لنفسه حجماً أساء إليها أمام المجتمعين، ، فأظهر حماقة إلى حدّ الصفاقة ، وحسبه أنّه أحسن صنيعاً .
فالرئيس الفرنسي المغرور ( فرانسوا هولاند) هدّد وتوعّد ، وتبعه وزير خارجيته المأزوم / لوران فابيوس/ بحملة استعمارية مقيتة على النظام السوري؛ وأيّده في ذلك مشايخ العرب الخلجان ونظيرهم العثماني /داوود أوغلو / وريث سلالة جمال باشا السفاح ، سيّء الذكر والسمعة .أمّا الحسناء (هيلاري كلينتون ) التي توزّع ابتساماتها ونظراتها في كلّ اتجاه لتكون نجمة الملتقى ، فقد تجاهلت مباحثاتها مع السيد /سيرغي لافروف / وزير خارجية روسيا وهديته إليها في موسكو قبل يومين من اجتماع باريس، وشنّت حملة ضدّ الدولة الروسية وتوعّدت بمحاسبتها إذا ما بقيت على موقفها الموضوعي حيال حلّ الأزمة السورية ، ودعمها للنظام السوري ، على حدّ قولها .أليس في ذلك تجاوز للأخلاق الدبلوماسيّة ، جعل السيد/ لافروف / يردّ عليها فاضحاً نفاقها وكذبها بتحريف ما تمّ في مؤتمر جنيف .
ومهما قيل ويقال من نفاق وتدليس حول الأزمة السورية ، فإنّ موقف الدولة السورية ثابت من مهمّة السيد كوفي عنان ، وهي ملتزمة بما اتفق عليه في الخطّة المطروحة للحل ، وأكّدت عليها من جديد في اللقاء الأخير للسيد عنان مع المسؤولين السورين ، وخرج بتصوّر إيجابي عن الموقف السوري في يتعلّق بخطوات الحوار والمصالحة الوطنية، ، هو مقتنع بذلك وراضٍ على إكمال مهمّته حتى النهاية ، بدليل توسيع جولته إلى طهران وبغداد ، مشدّداً على دورهما في الحلّ السلمي للأزمة السورية يصنعه السوريون.
وها هي روسيا تدعو بلسان وزير خارجيتها إلى عقد مؤتمر جديد لدول الاتصال بشأن الوضع السوري في موسكو ، وستكشف المواقف والوقائع من يريد الحلّ فعلاً ، ومن يستمرّ في التحريض والنفاق والتضليل ..!
تغيّرت مواقف بعض الدول التي شاركت في اجتماع باريس أكثر من ( 360 درجة ) عن مواقفها في مؤتمر جنيف ، ولاسيّما الثلاثي (الأمريكي – الأوروبي- التركي ) يقابله المواقف الثلاثي العربي ( السعودي- القطري-الجامعي ) . والمقارنة في ذلك ليست ذات صعوبة .
ومهما قيل ويقال من نفاق وتدليس حول الأزمة السورية ، فإنّ موقف الدولة السورية ثابت من خطّة السيد كوفي عنان، وأكّدت عليها من جديد في اللقاء الأخير للسيد عنان مع المسؤولين السورين، وخرج بتصوّر إيجابي عن الموقف السوري في يتعلّق بخطوات الحوار والمصالحة الوطنية.