طفل اليوم الذي يستفيق وفي حضنه الكثير من الألعاب ويجلس طويلا أمام شاشة التلفاز مضافاً إليها الألعاب التفاعلية من خلال الكومبيوتر وغيره من الأجهزة الإلكترونية التي توفر قدراً كبيراً من التخيّل والعمل الشخصي للطفل دون مساعدة من أحد كل ذلك جعل طفل اليوم يتطلب نمطاً من القصص تختلف جذرياً عماً يسود النتاج القصصي لدينا والذي يتخبط فيما يتخبط ,بين ما يطرحه والفئة العمرية التي يستهدفها ,فعندما نجد قصة تستهدف الفئة العمرية من العاشرة للثانية عشرة ,نلاحظ خطابها السطحي المباشر والذي يصلح لطفل في الخامسة والسادسة –طبعاً- إن صلح مضمونها وهذا ما يندر وجوده لدينا!؟.
ولكي نُدرك ما سبق ؛لنأخذ مثالاً شائعاً,فأفلام كرتون “توم وجيري” والتي استطاعت أن تأخذ بألباب الكبار قبل الصغار, لما تتضمنه من خطاب مباشر وغير مباشر ودلالات وحكم وأمثولات وأهداف تربوية فردية ومجتمعية بطريقة شفافة وسهلة المتناول يتم توصيل الكثير من الرسائل من خلالها دون لغة الوعظ الجامدة وعليه ,قد يقول قائل :هذا الكلام للكبار!؟ , والرد عليه جاهز!؟ , كيف يستمتع الطفل بها أيما استمتاع !؟ ألا يدل ذلك على قدرته على التعاطي مع مستوياتها وأخذ ما يناسبه منها وفق وعيه وتطوير فهمه لها وفق سوياته العمرية ,فطفل السنة الذي تضحكه الحركة والموسيقا ,يختلف عن طفل الخامسة الذي يتفاعل مع المقالب التي يقوم بها “ جيري” مع توم وقس على ذلك .
وقائلنا السابق , سيقول هذا في الصورة والصورة أسهل منالاً من الكلمة المكتوبة!؟ والإجابة جاهزة !؟,فالمناهج التعليمية التي يتعلمها طفل اليوم معقدة وصعبة عن ما تم تعليمه لطفل من ثلاثين سنة خلت ألا يدل هذا على أن مناخ الفكري للطفل تغير نتيجة لتغير المجتمع وأضيف حقيقة علمية تشير وتبرهن على تأثير البيئة الطبيعية والمجتمعية على مقدار الذكاء وحتى حجم الأدمغة , فقد أثبتت دراسة ,إن أدمغة طيور المدينة أكبر من أدمغة طيور التي تعيش في البرية وابن هذا البلد يعرف مكر طائر الدوري الذي يعيش بين البيوت سواء في الريف أو المدينة .
ولا بد من ذكر “ هاري بوتر” الذي خلب ألباب صغار العالم , هل كُتب بطريقة مباشرة ووعظية وقسم الأمور لأبيض وأسود أم أنه كُتب ليستنفر ذهن القارئ الطفل بالتفكير والتحليل , فيستمتع بقراءته حيث يصبح هو شخصية الساحر الصغير “ هاري بوتر” الذي يفك الألغاز!؟.
لا ريب أن القصص الموجهة للأطفال بسوياتهم العمرية المختلفة, لم تعد تنفع معها الوصفات القديمة الجاهزة عن الأمير والأميرة أو الطفل المشاكس أو القط والكلب أو الفتى المغامر دون اللعب على مضامينها القديمة والتخلص من المباشرة والوعظ وتقديم الشخصيات على أنها خيرة ذات شكل جميل أو شريرة قبيحة , فالواقع يكذب ذلك , فالطفل يدرك تمازج الخير والشر والاجتهاد والكسل في النفس البشرية وكثيرا ما تجد طفلاً صغيراً يحاجج أهله عندما يقولون مالا يفعلون, كأن يقولوا له لا تكذب ويكذبون أمامه!؟ ,فالنظرة السائدة إن الطفل بريء, يضحك منها الطفل ذاته ولا أدل على ذلك من طفل لا يتجاوز السنة يأخذ ما يريد لمجرد أن يصرخ باكياً متعمداً!؟.
الطفل كالبحر يتلقف الكثير من الأنهار, فلا تكتبوا قصصا له بالقطارة بل يجب كتابة القصص التي تمور بالحياة بكل تناقضاتها لأن حياته ستبقى القصة الأعظم التي يقرؤها كل يوم.