تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«حماةَ الديارِ ».. وطنُ قصائد شاعر العروبة الدمشقية..

ثقافـــــــة
الجمعة 1-7-2011
هفاف ميهوب

لأنه لم ينسَ القسوة والتعذيب والعنف والقهر الذين انصبُّوا على الشعب السوري مثلما على الأقلام المناضلة والمندِّدة بمجازر جمال باشا السفاح, كانت قصائده تبشِّر بحركة نضالية جعلت من بيته وبيوت أقاربه في دمشق,

مركز دعوةٍ لها وإلى أن كانت معركة ميسلون, وبدأت أشعاره تنحى باتجاه الدعوة للوحدة والاستقلال, وهكذا إلى أن نذر نفسه وآل بيته للعروبة..‏

بعد ميسلون ودخول الجيش الفرنسي إلى دمشق, لم يعد لديه أي مجالٍ للتريث, فالعدوان واحد وأعداء العرب يلهثون لاستعباد الشعوب وإنهاء العروبة, وسواء حكموا باسم الدين كالأتراك أم باسم الحضارة كالفرنسيين, وهو ما دفعه لإطلاق قصيدة مهَّدت لظهور الفكر القومي, وبما حملت من مشاعرٍ مفعمة بروح التضحية والانتماء..‏

أنا ما حييتُ فقد وقفتُ لأمتي‏

نفسي ومالي في سبيل بلادي‏

فإذا قُتلتُ وتلك أقصى غاية‏

لي, فالوصية عندها أولادي‏

إنه الشاعر الدمشقي (خليل مردم بك) الذي ولد عام /1895/ ولوالدين من أسرة عريقة. والذي سرعان ما فقدهما فانعزل حزيناً باحثاً عن دفء العاطفة. تلك التي استعاض عنها بقراءات أدبية عدة أحالته إلى صاحب موهبة شعرية ناضجة بدأت منذ سنٍّ مبكرة..‏

بيد أن موهبته هذه, اختارت ومنذ بلغ العشرين من عمره, سيرورة وطنية, ليقرِّر وبسبب ذلك أن تكون قصائده جهاداً في سبيل الوطن, الأمة, الأرض, العروبة التي مُزِّقت بتخاذل أهلها, وبوحشية المتكالبين على خيراتها..‏

كل هذا, دفع (خليل مردم بك) للصراخ قصيدة إثر أخرى, مؤكداً ضرورة التمسُّك بالانتماء, بل وإدانة كل المتاجرين بالوطن, لتتحول بعدها فكرة النضال والاستشهاد إلى موطنٍ لقصائدٍ جعلت من دمشق التي انطلق منها, رمزاً للحرية.. الأرض.. الشهادة.. وأيضاً جعلت من ذكرى الشهيد (يوسف العظمة) يوم وقوفٍ على أطلال الدمع تقديساً لدمه الطاهر:‏

اعكفْ على جدثٍ في عدوة الوادي‏

بميســلون ســقاهُ الرائــحُ الغــادي‏

وطأطئ الرأسَ إجلالاً لمرقـدِ من‏

قضى لــــه الله تخــليــداً بأمجـــادِ‏

صلى الإلــهُ عليــهم من مجنـــدلةٍ‏

أشــلاؤهم بيـــن أغــوارٍ وأنجــادِ‏

لقد قدَّم لدمشق كل أحاسيسه, مثلما منحها كل شعره, لتكون قصيدته (يوم الفزع الأكبر) التي كتبها عام /1925/ واصفاً بها بشاعة الاحتلال الفرنسي وانتقامه من الثوار, الأكثر تأثيراً في العرب وترويعاً للفرنسيين الذين ورغم أن القصيدة امتلأت بمفردات الحزن والأسى والدموع, إلا أنهم اعتبروها مقاومة من شاعرٍ ألهب بحماسه العرب وباختلاف طوائفهم, وبكلمات منها:‏

أبكتْ دمشــق بنيها يوم محنتها‏

فلم نجد غير من صَحَتْ عقائدهُ‏

تـرى الحنيفي يـوم الـروع مبتدراً‏

إلى المســيحي في البـلوى يسـانده‏

فتى دمشق اصطبرْ للخطبِ تجبههُ‏

إن العـــروبة جيــشٌ أنت قــــائدهُ‏

بعد هذا, حاكمته السلطات الفرنسية وبحثت عنه لتزجه في سجون مدينته دمشق, ما اضطره للهرب إلى مصر وبعدها إلى لندن التي قضى فيها أربع سنوات تابع خلالها تحصيله الدراسي, ودون أن يتوقف عن تصدير قصائده التي ألهبت النفوس طلباً للاستقلال الذي وما إن أتى حتى عاد إلى دمشق /1929/ ليقوم ومن خلال قصيدته (سلام على دمشق) بإلقاء تحية حبه وعشقه لمدينة لم تغادره أبداً, وبأبياتٍ نقتطف منها:‏

تلاقوا بعدما افترقوا طويلاً‏

فما ملكوا المدامع أن تسيلا‏

بقيــة فتيــةٍ لم تُبــق منــهم‏

صروفُ زمانهـم إلا قليلا‏

لأجلِ كل هذا, ولأنَّ العروبة عاشت فيه والوطن دمشق كان يسكنه, اختيرت قصيدته (حماة الديار) كنشيدٍِ وطني لسورية. نشيد ستبقى الأجيال تردِّده ومنذ رُدِّد في عهد الاستقلال والحرية..‏

أما عن لحن النشيد, فكانت الحكومة السورية قد أعلنت عام /1938/ عن مسابقة لاختياره, وتقدم للمسابقة حوالي السبعين ملحناً أولهما الأخوان اللبنانيان (محمد وأحمد فليفل) اللذان وقع الاختيار على لحنهما, وهما المشهود لهما بما قدَّماه من ألحان في (بلاد العرب أوطاني) و(نحن الشباب) و(في سبيلِ المجد) و(موطني)..‏

يبقى أن نقول, إن الشاعر (خليل مردم بك) الذي عُيِّن بعد جلاء الاستعمار العثماني كمديرٍ لديوان الرسائل العام, ومن ثم كمدرِّسٍ في مدرسة الكتَّاب التي أنشأتها الحكومة عام /1919/ والذي سمِّي معاوناً لمدير ديوان الوزراء بعد استقلال سورية, وأيضاً الذي أسَّس عام /1921/ مع عدد من الشعراء والأدباء جمعية (الرابطة الأدبية) والمجلة الناطقة باسمها. لم يتأثر بثقافة أجنبية أبداً, ذلك أن وسطه الدمشقي هو من عمل على تكوينه وشحذ موهبته وشاعريته وإلى أن رحل وبقي راسخاً في الذاكرة.. نعم رحل في /21/ تموز /1959/ ودفن في مقبرة الباب الصغير في دمشق, لتبقى قصائده تتدفق كبردى وتشمخ كقاسيون, وبكلماتٍ أرادها أن تبقى موطننا وعروبتنا وتحيَّتنا لوطنٍ سنبقى ننحني إجلالاً لعَلمه مردِّدين:‏

حمـــاة الــديــارِ عـليكم ســــلام‏

أبتْ أن تـــذلَّ النــفـوسُ الكــرام‏

عــرين العـــــروبة بيتٌ حــرام‏

وعرشُ الشموس حمىً لا يُضام‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية