و كان على اسرائيل التي اعتمدت منذ البدء في استراتيجيتها على «القوة البحتة الفاعلة» القادرة على انجاز اي امر في الميدان، مع بقاء النار بعيدة عن سكانها ، ان ترمم البنية الصهيونية في ركنيها: القدرة العسكرية التي تنتصر في الميدان، و المناعة الاجتماعية التي تجعل الصهاينة آمنين اثناء الحرب. و من اجل ذلك سعت اسرائيل منذ ان توقفت العمليات العسكرية في آب 2006 الى تحقيق هذين الهدفين معا، و اتخذت من التدابير الايجابية و السلبية (تنمية القدرات واعتماد الملاجئ والدفاع المدني) ما ارهقها، و كان اخر هذه التدابير مناورة تحول 5 التي زجت اسرائيل فيها بكل قدراتها ونفذتها في كل اشكال الشمول جغرافياً وديمغرافياً وقطاعياً وعسكرياً ولكنها صدمت بنتائج تلك المناورة التي وإن كانت حققت فيها بعض الايجابيات فأن سلبياتها تنسف الاساس حيث :
- فشل المخطط في اقناع الشعب الاسرائيلي بجدية المناورة و الاستجابة لمتطلباتها و الانخراط في العملية التدريبية التنفيذية التي تفرضها، حيث ان نسبة التجاوب تراوحت بين 15 و 30 % من الصهاينة في الوقت الذي حدد معدل النجاح بنسبة تتراوح بين 65% و 75% الامر الذي لم يحصل.
- فشل في اعداد الملاجئ و تهيئتها للعمل تحت النار، حيث تبين ان الملاجئ الحالية لا تتسع لاكثر من 45% في احسن الحالات – في بعض المناطق 25% فقط - وهي لا تمكن من العمل فيها الا لنسبة تتراوح بين 10% و 15% من المعنيين، و هذا ما اجهض فكرة تحقيق المناعة الاجتماعية المعول عليها.
- فشل منظومة الامان و الاخلاء الصحي حيث تبين ان منظومات الاسعاف و الاخلاء، و كذلك المستشفيات لا تستطيع ان تقدم الخدمات المطلوبة للعدد المفترض من الخسائر البشرية محسوبة على اساس سقوط 800 صاروخ يوميا على كامل الكيان، ولمدة قد تصل الى 100 يوم.
- قصور في اطفاء الحرائق حيث تبين ان السيطرة لن تكون على اكثر من 35% مما قد تشعله الصواريخ.
- فشل منظومة القبة الفولاذية في اعتراض اكثر من نسبة 2/7 من الصواريخ، و كانت اسرائيل تخطط لان تنجح تلك القبة في اعتراض 5/7 من الصواريخ الموجهة اليها، ومن ثم اصبحت هذه المنظومة من غير قيمة او اهمية دفاعية اذ انه يكفي ان يزيد الخصم معدل اطلاقه اليومي حتى يلغي فعالية هذه المنظومة كليا. فضلا عن ان اسرائيل لا تملك القدرة على تزويد المنظومة بالصواريخ اللازمة لها على مدى مئة يوم بنمط مناسب .
- قصور في الثقافة الامنية و الدفاعية لدى المسؤولين الاسرائيليين في المستويات السياسية والادارية والاقتصادية فضلا عن تشكل حالات رفض «مقولة العمل تحت النار» و بروز نظرية «الحرب أو العمل و لا جمع بينهما».
على ضوء هذه النتائج الصاعقة، ظهر المأزق الاستراتيجي الاسرائيلي بوضوح حيث عجزت اسرائيل عن تهيئة البيئة لاستعادة القدرة على الحرب التي تنتصر فيها مع مجتمع آمن، الامر الذي يرسم علامات استفهام جدية حول مستقبل كيان «ما قام الا بالحرب ولن يستمر الا بالحرب».
وقد فاقم المأزق الاسرائيلي ما آلت اليه مجريات الاحداث الاخيرة في المنطقة حيث عولت اسرائيل على انهيار او تفكك جبهة المقاومة والممانعة عبر النيل من سورية ولبنان قوة ومناعة واستقراراً وتماسكاً، فجاءت النتائج سلبية على كل الاتجاهات، حيث فشلت المؤامرة التي حيكت ضد سورية التي انطلقت الان في عملية الاحتواء وترميم ما احدثه التآمر في الجسم السوري من ندوب، وتجاوزت المقاومة في لبنان ما كان يراد منه، مع تحول سياسي في لبنان لمصلحتها لتراكم القوة في جانب جبهة المقاومة، متغيرات متكاملة رسمت صورة واضحة، مؤادها ان شعوب المنطقة امتلكت قرارها وتمارس مقاومتها ضد مشاريع الفتنة والاحتلال والاستعمار الجديد، وتنتصر.