ويعود السبب في ذلك، إلى أن الرئيس الحالي أمادو توماني توري لن يستمر في السلطة في ضوء الانتخابات الرئاسية التي ستجري في نيسان 2012 ، من هنا تشهد المعركة لخلافته التي انطلقت ، طابعاً تنافسياً شديداً فقد كرّر الرئيس المالي أمادو توماني توري لزواره، قوله : إنه« إذا منحني الله لي الحياة ، فسوف لن أنام في قصر الكولوبا يوم 7 حزيران 2012. سأعود في اليوم التالي لتسليم السلطة إلى الرئيس الجديد الذي سينتخبه الماليون». وهي طريقة يؤكد بصورة حاسمة، بأن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستدق ساعة التداول السلمي للسلطة . فبعد ولايتين متتاليتين ، فإن المستأجر لقصر الكولوبا في العاصمة باماكو، سيستقيل من وظيفته كموظف كبير في الدولة على طريقة الرؤساء الغربيين.
في عام 1992 ، جرت أول انتخابات رئاسية ديمقراطية في مالي وفاز فيها الرئيس ألفا كوناري، ولدى إعادة انتخابه عام 1997، سار في نهج الإصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد. وبعد عشر سنوات من الإطاحة بموسى تراوري وتنظيم ندوة حوار وطني، ومنح البلاد دستوراً جديداً ، وإعادة السلطة للمدنيين ، تقدم أمادو توماني توري للانتخابات الرئاسية في سنة 2002 كمرشح مستقل. وعلى الصعيد السياسي، اقترح على الطبقة السياسية إجماعاً واسعاً حول برنامجه . وهكذا ولدت الديمقراطية التوافقية ، والتي كان لها الفضل في تخفيف حدة التوترات ، حيث تميزت فترة حكم ألفا عمر كوناري برائحة الغاز المسيل للدموع- وبإضعاف المراكز الموازية للسلطة ،لاسيما إضعاف صلاحيات المحافظين، وتمييع لعبة اللعبة كلاسيكية مابين الأغلبية والمعارضة . ولما كان الجنرال أمادو توماني توري هو قائد المسار الديمقراطي في مالي ، فقد تم انتخابه في عام 2002 ، مسجلاً بذلك عودة قوية على المشهد السياسي في بلاده ، بعد أن قاد الهيئة الانتقالية بإنقاذ الشعب المالي في بداية التسعينيات، التي وضعت مالي على طريق الاستقرار السياسي. وأعيد انتخاب أمادو توماني توري سنة 2007 بقرابة 70٪ في حين نال منافسة إبراهيم بوبكر كايتا رئيس البرلمان 19٪.
رغم أنه يوجد الآن أكثر من مئة حزب في مالي، فإن أقل من عشرة منها يتمتع بتواجد فعلي علي الصعيد الوطني ويعتبر التحالف من أجل الديمقراطية في مالي الذي تشكل في عام 1991 القوة السياسية الأولى، وإن كانت الانشقاقات أضعفته ، هو ضعف ذلك . ويشبه هذا التحالف وضعية الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي لم يحسم بعد مسألة القيادة منذ رحيل ألفا عمر كوناري . وفي عام 2000، كان زعيمه ، رئيس الوزراء السابق ابراهيم بوبكر كليتا، الغاضب لعدم ترشحه لكي يكون الخليفة الطبيعي لألفا عمر كوناري ، قدم استقالته وأسس حزب التجمع من أجل مالي. فالتحق به العديد من كوادر حزبه القديم.
وبعد بضعة أشهر ، تفجرت الأزمة الثانية داخل التحالف من أجل الديمقراطية في مالي فبين جولتي الانتخابات الرئاسية عام 2002 ، خانت قيادة الحزب مرشحه الخاص ، سومايلا سيسي، وانضمت إلى المرشح أمادو توماني توري( الرئيس الحالي). وفي أعقاب هزيمته المرّة ، شكل سيسي حزبه الخاص، الاتحاد من أجل الجمهورية والديمقراطية .
وفي ظل تعرضه لهاتين الأزمتين، يحاول التحالف من أجل الديمقراطية في مالي تجنب تكرار ماحدث له في السابق، بالنسبة للانتخابات الرئاسية في عام 2012، وهو يستعد لتنظيم انتخابات تمهيدية في تموز المقبل، لاتخاذ قرار بين المتنافسين للفوز بترشيح ممثل الحزب في الانتخابات المقبلة. وإذا كان وزير الخارجية الحالي ، سوميلو بوباي مايغا، وافق على عدم الانخراط في السباق، فإن اثنين من المرشحين من الوزن الثقيل يعملان على إقناع المناضلين في الحزب ، وهما الرئيس الحالي للتحالف من أجل الديمقراطية في مالي ورئيس الجمعية الوطنية ديونكواندا تراوري( وزير الخارجية السابق في عهد الرئيس ألفا عمر كوناري دبلوماسي) ، والوزير السابق للسياحة والعمدة السابق لمدينة باماكو، ايبا ندياي، حيث يعطي المراقبون للشأن المالي أسبقية في الفوز للمرشح الأول.
فيما يتعلق لبقية الأحزاب الأخرى ، فإن مسألة ترشيح ممثلها في الانتخابات الرئاسية لسنة 2012 لن تسبب أي مشكلة . فالمرشحون هم طبيعيون : إبراهيم بوبكر كيتا (66 عاماً) بالنسبة للتجمع من أجل مالي ، الذي ترشح مرتين للانتخابات الرئاسية ، ويعتمد على حزب منظم جداً، غير أن العوائق التي تعترض سبيله هي علاقته مع لوران غباغبو التي أفقدته الكثير من النقاط والمرشح الأوفر حظاً هو سومايلاسيسي(61 عاماً) زعيم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية والديمقراطية ، الذي يمتلك ماكينة انتخابية قوية، لكن عوائقه تتمثل في أنه أصيل الشمال مثل أمادو توماني توري، والبديل المناطقي ليس في مصلحته. غير أنه اليوم، يمكن للطموحات المفرطة التي تنشط الطبقة السياسية المالية، أن تعرض للخطر كل الجهود التي بذلت من أجل إرساء ديمقراطية حقيقة. ومع ذلك سيتطلب الوضع بشكل خاص، الحفاظ على اتجاه الديمقراطية ، حتى يتم قطع الطريق وبشكل نهائي على عودة العسكر إلى السلطة المتجسدة في نظام الجنرال موسى تراوري لهذا السبب، من المهم إنقاذ من خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة في سنة 2012، الأسس الهشة للديمقراطية في مالي.
لقد كان الرئيس الحالي أمادو توماني توري مثالاً نادراً للرؤساء في إفريقيا، إذا أعاد الحكم للمدنيين في انتخابات عام 1992. وعاد إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع في انتخابات 2002 ، لكن الجانب الآخر الذي يعطي للرئاسة عام 2012 ، جانباً هاماً هو عدم الاستقرار السائد شمال مالي، مع تزايد الحضور القوي لفرع تنظيم القاعدة في المغرب العربي.
كاتب تونسي