جنوب السودان .. وسياسة تفجير الأزمات !
شؤون سياسية الأثنين 4-7-2011 بقلم: إدريس عبد الله قرجاج عقدت الحكومة السودانية العزم منذ سنوات في اتخاذ خطوات عملية لجهة حسم الصراع ووضع حد نهائي للصدمات المسلحة التي تبرز على السطح من حين إلى آخر بين الشمال والجنوب وفقاً لثوابت وقناعات وطنية وقومية تعبر عن العلاقات التاريخية والاجتماعية
والتلاصق الجغرافي الذي يربط شمال السودان بجنوبه بوصفها علاقات أخوية أكبر من كل الاعتبارات السياسية أو الطارئة والتي في الغالب تقف من ورائها المخططات الدولية العلنية أو الخفية التي تستهدف السودان لأسباب تتعلق بنهجه السياسي وخياراته الحضارية ورؤيته الاستراتيجية الشاملة المرتكزة على خلفية التعارف والتعانق التاريخي في الكثير من الجوانب الخيرة التي تشكل إطاراً سليماً للتمازج الفكري والسياسي بين قطاعات كبيرة في شمال وجنوب السودان على المستوى الشعبي والرسمي والذي أسهم في التوصل إلى اتفاقية السلام التاريخية التي منحت الجنوب الحق الكامل في تحديد خياراته نحو الوحدة أو الانفصال وبما أن الجنوبيين اختاروا الانفصال من خلال الاستفتاء الذي تم في ظل مناخ سلمي وإيجابي على الأصعدة كافة بشهادة معظم المنظمات الإقليمية والدولية ذات العلاقة .
وعليه إن الشمال حرص على احترام خيار وإرادة الجنوب في الاستقلال وهو حرص نابع من المشاعر الودية التي تبناها الشمال تجاه الجنوب والهادف إلى تأسيس علاقات جديدة تختفي معها الجوانب المظلمة وتحل محلها الجوانب المضيئة التي تخدم مصالح الطرفين، إلا أن هذه المشاعر القادمة من الشمال والتي عكست الرغبة الجدية في بناء تعاون مشترك حاضراً ومستقبلاً قابلتها مشاعر متناقضة غلبت عليها الجوانب السلبية المستنفرة التي فتحت المجال واسعاً في تخريب وتوتير العلاقات ، ونعتقد أن الأحداث والتطورات المستجدة التي شهدتها منطقة « أبيي» والتي امتدت إلى ولاية جنوب كردفان قد برهنت على أن حكومة جنوب السودان غير قادرة على بسط سيطرتها على المجموعات الجنوبية المسلحة والمنفلتة التي تريد قطع أي صلة بالشمال عبر خلق أزمات متتالية وبلا نهاية إلى أن يتم ترسيخ الفهم القائل أن جنوب السودان لم يعد جزءاً من السودان الكبير بعروبته وجغرافيته وتاريخه بل هو دولة إفريقية ويجب أن تتجه حكومة جنوب السودان بحكم التكوين الاجتماعي والانتماء صوب شطر دول حوض النيل ويتقاطع هذا التوجه مع تصاعد الاهتمام الأميركي بقضية انفصال جنوب السودان الذي جسده كارتر الرئيس الأسبق وكذلك جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأميركي ويرجع البعض هذا الاهتمام بعد أن تأكد لأميركا بأنها نجحت في إدخال العالم العربي في صراعات وخلافات وتقسيمات لن تقوم بعدها قائمة مما يتيح لإسرائيل أن ترسخ من وجودها في منطقة البحيرات العظمى وبالتالي تقوي من قبضتها على مياه نهر النيل بوجود دولة جنوب السودان العضو الجديد في دول حوض النيل وعلى ضوئها هذا الاهتمام الأميركي بالسودان عامة وجنوب السودان خاصة يتبين لنا بأنه يأتي في نطاق رؤية استراتيجية تقوم على نشر الفوضى السياسية في العالم العربي المفضية إلى تقسيم وتفتيت أقطاره وبالتالي فمن العبث أن يتم تصديق الوعود الأميركية الكاذبة حيث من المعروف عن أميركا أنها الدولة الأشهر التي لاتفي بوعودها بمعنى أن وعودها بدعم الاقتصاد السوداني ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإلغاء العقوبات المفروضة عليه وشطب قرار محكمة الجنايات الدولية بخصوص الرئيس البشير كل هذه الوعود يقول البعض عنها ماهي إلا فقاعات إعلامية فاقدة للمصداقية ، ولكن بالعودة إلى ساعات حكومة جنوب السودان نجدها بعيدة كل البعد على الأقل في الوقت الراهن عن صيغ التعايش السلمي الذي يساعد في تضميد جراح الصراع ويكون المرتكز الأساسي والرافعة الحقيقية في دفع العلاقات بين الأشقاء كضمانة وحيدة لحماية المصالح العليا بل إنها تسير بعلاقاتها مع الحكومة السودانية على غرار العلاقات المتوترة بين كوريا الجنوبية والشمالية لمِِ - لا - طالما أميركا هي الحاضر الأبرز وراء كل حالة تقسيم شهدتها بعض دول العالم وكان آخرها انفصال تيمور الشرقية عن أندونيسيا ، والآن جنوب السودان انسجاماً وتنفيذاً لما ورد في مشروع برنارد لويس المستوحى من فكر برنجستي مستشار الأمن القومي للرئيس الأسبق كارتر والذي جاء فيه تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات عرقية وطائفية ومذهبية وتمت الموافقة عليه من قبل الكونغرس الأميركي في عام 1983م كمشروع قابل للتطبيق في المستقبل وهانحن نشاهد بوادر تطبيقه عملياً في الأقطار العربية، وبالتالي لم يعد مفاجئاً أن تنزلق حكومة جنوب السودان في مخططات الدوائر الصهيونية الأميركية المشبوهة التي غالباً ماتغذي نعرات الفرقة والتباعد بين الأشقاء إذا كان ذلك يتوافق مع تلك المخططات ويحقق المصالح الاستراتيجية الصهيو أميركية ، وهنا يمكن القول مبدئياً إن حكومة الجنوب وعبر المجموعات المسلحة أنها بدأت تأخذ موقعها المتناغم مع تلك المخططات ولسنا هنا بصدد إلقاء التهم أو التشكيك في نيات حكومة الجنوب إذا كانت سلمية أم العكس ولكن تقدير الأمور يتم الحكم عليها بالظاهر ومايحصل من تصرفات استفزازية على الأرض حيث الشواهد القاطعة التي تدلل على حالة الانحراف السياسي والخروقات العسكرية التي تقوم بها المجموعات المسلحة المحسوبة على حكومة الجنوب تضعها في موقف التوضيح لحقيقة نياتها لأن ماحصل من اعتداءات في منطقة «أبيي» التي روعت السكان الأمر الذي أجبر الجيش السوداني بالتدخل وإنهاء الفوضى التي أثارتها المجموعات الجنوبية وقامت ببسط السيطرة عليها من أجل استتباب الأمن والهدوء في المنطقة وإتاحة الفرصة الكاملة في تنفيذ ماتقدمت به الحكومة السودانية من مقترحات لحل الأزمة في«أبيي» والتي جاء فيها:
إخضاع إدارة منطقة «أبيي» للرئاسة السودانية، وتشكيل إدارة مؤقتة خلال الفترة الانتقالية ، والإبقاء على قوات الجيش لغايات بسط الأمن والهدوء ، وتمكين النازحين من العودة إلى مساكنهم، وإبلاغ بعثة الأمم المتحدة أن مهمتها تعتبرمنتهية في 9/7/2011م، تمهيداً لإطلاق تسوية سياسية شاملة تنهي حالة الخلاف والاختلاف بشأن منطقة «أبيي» وتعتبر هذه المقترحات من صميم ماتضمنته اتفاقية السلام وبروتوكول «أبيي» وليس شيئآً جديداً، فكان حرياً بحكومة الجنوب أن تتجاوب معها بدلاً من أن تفتح المجال أمام المجموعات المسلحة التي غيرت وجهتها لتستهدف ولاية جنوب كردفان وتتسبب في نزوح أكثر من 30 آلف مواطن لنجد مرة أخرى يتدخل الجيش السوداني لبسط الأمن وعودة النازحين إلى الولاية .
كاتب سوداني
|