وكشفت حالة الارتباك التي أصيب بها جنرالات جيش الاحتلال في حرب لتحرير الجولان وسيناء، وكان هذا الجيل من الحكام الصهاينة قد رسم أسطورة التفوق العسكري الإسرائيلي الذي لايقهر بدءاً من حاييم وايزمن وديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء وأول من أعلن إنشاء إسرائيل في 15 أيار 1948 والذي شهد أولى هزائم إسرائيل قبل أن يفارق الحياة بعد شهرين على حرب تشرين، وانتهاء بغولدا مائير التي استقالت خلال أيام الحرب وديفيد أليعازر رئيس الأركان الذي كان كبش الفداء، فانهارت الأساطير في تشرين التحرير واعترف موشي دايان وزير الحرب آنذاك بأن «حالة التفوق الإسرائيلي انتهت إلى الأبد» وهو الذي كانت تصفه الدعاية الإسرائيلية بأنه أكبر عقلية عسكرية في القرن العشرين، فأي عقلية عسكرية هذه التي تنهار في اليوم الرابع من الحرب!؟
القائد الخالد حافظ الأسد حدد أهداف حرب تشرين وأوضح لماذا خاضت سورية الحرب عام 1973 بكلمات سرمدية عندما قال:« لسنا هواة قتل وتدمير، بل ندفع عن أنفسنا القتل والتدمير، نحن دعاة سلام، ونعمل من أجل السلام لشعبنا ولكل شعوب الأرض». ولم تكن حرب تشرين حرباً لمجرد الحرب، بل كانت في حينها محتومة دفع إليها استهتار إسرائيلي بقرارات الشرعية، وانحياز أمريكي مطلق لإسرائيل للحيلولة دون تنفيذ هذه القرارات ، فكان تشرين التحرير نقطة تحول حاسمة في حياة العرب وأياماً تاريخية لها وقعها في وجدانهم لأن النتائج الإيجابية العظيمة التي تحققت بفضلها ماكانت لتتحقق لولا توافر مجموعة من المعطيات، أولها تحقق تضامن عربي واسع ما أحوجنا إليه في أيامنا هذه ، وثانيها استخدام مكامن القوة العربية بدءاً من القدرة على التفوق والانتصار وليس انتهاء باستخدام سلاح النفط فكانت حرب تشرين التحريرية المظفرة إنجازاً كبيراً جسد حقيقة الأمة العربية عندما تتلاحم جهودها لتحرير الأرض واستعادة الحقوق.
ومع ذكرى حرب تشرين يتبدى اليوم للعالم ماذا يعني نهج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الصهيوني المتطرف صاحب اللاءات المشهورة لا للانسحاب من الجولان، لا للدولة الفلسطينية، لا لحق الفلسطينيين في القدس الشريف والذي يتمادى في التوسع والاستيطان ويشجع قطعان المستوطنين على الاعتداء على الحرم القدسي، وها هي القدس الشريف مهد الرسالات السماوية وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين تتعرض لهجمة صهيونية جديدة في إطار محاولات إسرائيل لتهويدها وطمس عروبتها وإزالة الأماكن المقدسة فيها.
وكل الذي يجري على الأرض العربية ومن حولها واحتلالات القرن الحادي والعشرين والحروب التي شهدتها المنطقة العربية في العقد الأخير ماخلا كونها حروب نهب استعماري، فهي تشير إلى أن قوة إسرائيل إنما تكمن في انقسام العرب وفي ضعف مجتمعاتهم الداخلية وتمزيق صفوفها وأن إسرائيل وحلفاءها يعملون لمزيد من تمزيق العرب ومنعهم من أي شكل من أشكال التضامن أو التكامل أو الوحدة كي تحقق إسرائيل مطامعها وحلمها الصهيوني المبني على القصص التلمودي.
فما أحوجنا لروح تشرين فالتضامن العربي وإظهار قوة العرب من خلاله هو الذي يدفع الأذى عن شعوب المنطقة والسلام لن يكون بتطبيع مجاني مع إسرائيل، وهو ماتدعو إليه الإدارة الأمريكية اليوم ومعركة السلام التي خاضتها سورية بموقف واضح ورؤية سليمة على أساس عدم التفريط أو التنازل عن أي جزء من حقوقها هي امتداد لتشرين التحرير، والسبب التاريخي أو القياس التاريخي مابين الأمس واليوم أمر واجب.