هذه الحرب التي أثبتت ولأول مرة في تاريخ الأمة العربية الحديث والمعاصر أن العرب رغم حالات التجزئة التي فرضت عليهم تاريخياً أثبتوا انتماءهم للعروبة وتاريخها وحضارتها وذلك من خلال تضامنهم مع بعضهم وامتزاج دماء أبنائهم على أرض المعركة، كما أثبتت أن الكيان الصهيوني قد وجد أساساً بفعل دعم الغرب وأمريكا من أجل تحقيق مصالحهم في المنطقة ولم يزل هذا الدعم قائماً حتى تاريخه.
لقد انتصر العرب في تشرين الأول 1973 فدمروا خرافات مزمنة حول «اسرائيل» التي لا تقهر. إن أهم ما ميز الحرب أن قرارها كان قراراً عربياً فكانت بحق حرب الأمة العربية وهي انجاز الأمة العربية الأبرز في العصر ويخطئ من يقول إن حرب تشرين توقفت عند وقف اطلاق النار في السادس والعشرين من تشرين الأول عام 1973، فهي كما قال القائد الخالد حافظ الأسد «مستمرة بشكل أو بآخر» ولو استعرضنا الأحداث التي تبعت الحرب لتأكدت هذه الحقيقة، فعملية الصراع العربي- الاسرائيلي مستمرة مادام هناك احتلال للأرض العربية.
لقد حققت حرب تشرين التحريرية انجازات وانتصارات كبيرة للأمة العربية وللقضايا العربية، فهي إلى جانب إبرازها لأهمية وحدة الموقف العربي فقد حققت انتصارات كبيرة للقضية العربية المركزية- قضية فلسطين- تجلت في التأييد الدولي الكبير الذي حظيت به هذه القضية إلى جانب الإدانات الدولية المستمرة لسياسة «اسرائيل» العدوانية واتخاذ الجمعية العمومية قراراً اعتبرت فيه الصهيونية شكلاً من أشكال التمييز العنصري تجب مكافحته لأنه يشكل خطراً على العالم وما كان لهذه الإنجازات أن تتحقق على الصعيد الدولي لصالح القضية العربية لولا الموقف الموحد الذي ظهر فيه العرب خلال حرب تشرين.
وقد لعبت سورية دوراً رائداً في التخطيط لحرب تشرين وحققت القوات السورية نجاحات باهرة... وكان توقف القوات المصرية في وقت حرج للقوات السورية التي كانت بحاجة لتثبيت قواتها التي حققت نجاحاً باهراً.
أعلنت مصر وقف القتال بتاريخ 20 تشرين الأول حيث توقفت الأعمال القتالية تأسيساً على قرار مجلس الأمن 338 في 22 تشرين الأول /أكتوبر 1973، ودخلت مصر مفاوضات مع إسرائيل لتوقيع اتفاقية لفصل القوات واستمرت حتى تم التوقيع في 18 كانون الثاني/ يناير 1974 أما سورية فقد خاضت بعد ذلك حرب استنزاف طويلة استمرت 81 يوماً حققت خلالها ظاهرة مهمة جداً، هي إخضاع إسرائيل للأساليب القتالية التي فرضتها القيادة السورية.
إن أهم ما حققته حرب تشرين أنها كانت تجسيداً لإمكانية تحقيق التضامن العربي ودليلاً قاطعاً على إمكانية تحقيقه وعلى مدى فاعليته أيضاً، ففي تشرين وقف العرب صفاً واحداً في مواجهة الضغوط السياسية الخارجية وبتضامنهم تحقق ذلك النجاح الباهر، كما كانت الحرب الدليل القاطع على أن التضامن العربي هدف واقعي يمكن تحقيقه في أي زمان مهما كبرت الضغوط طالما هناك الحق الساطع والشعب الواسع وتحرير الإرادة العربية من القيود وتحرير النفوس العربية من الخوف والتردد. كما أزالت شعور اليأس الناتج عن نكسة حزيران وأثبتت مقدرة الإنسان العربي على مواكبة التطور العلمي وأعادت له صورته الحقيقية أمام الأمم الأخرى، حيث صححت مفاهيم كانت الصهيونية قد شوهتها عن العرب وحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لايقهر ونقلت الأمة العربية لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم حيث كان لها المبادرة في اتخاذ قرار القتال، وقف العرب في صف واحد تحت راية المعركة وكان هذا التضامن على امتداد الوطن العربي إنجازاًً بحد ذاته، كما اشترك النفط العربي كسلاح فعال في المعركة.
لقد حققت الحرب عنصر المفاجأة على العدو والتي تعتبر من أهم مبادئ الحرب وقد اعترف العدو بأن المفاجأة كانت صاعقة وأوقعته في حيرة وإرباك شديدين، إن امتلاك العرب لزمام المبادرة حرم العدو من الضربة الاستباقية التي تعتبر أهم عناصر عقيدته القتالية وألغت حرب تشرين مفهوم الحدود الآمنة لإسرائيل كأحد عناصر نظريتها الأمنية التي طورتها بعد عدوان 1967.