الا انه بالمقابل كانت هناك الكثير الكثير من القصص والمواقف التي عكست طبيعة الشعب السوري في كرمه وشهامته ، ولحمته الوطنية ، ووقوفه صفاً واحداً جنباً الى جنب مع كل فرد مقاتل وان كان بشكل غير مباشر ، و سنداً قوياً صلباً لا يلين صلابة جبالنا الشامخة ، ليعلن تمسكه بحقوقه وتجذره بأرضه تجذر السنديان العتيق في ارضنا الغالية سورية.
في كل حارة من كل مدينة سورية هناك قصة، وفي كل قرية على امتداد ارض الوطن روايات عن انضباط الشعب والتزامه بالنظام وتحمله أعباء دائماً ترافق اي حرب .
لاتمر ذكرى تشرين دون ان يقص ابومحمود الموظف على أولاده وأحفاده أحداث تلك الايام التي عاشوها مع اول يوم من حرب العزة والكبرياء ،عندما اندلعت شرارة الحرب الاولى ظهيرة السادس من تشرين الاول ، وهو الساكن في قرية صغيرة ساكنة في حضن جبالنا الساحلية بعيدة عن المدينة ليقرع بابه مساء ذاك اليوم احد الاصدقاء وبرفقته عائلته ، ولم تأت ظهيرة اليوم التالي حتى كان منزل ابي محمود يأوي ثلاث عائلات بين اصدقاء واقارب من المدينة ، ظناً منهم ان اللجوء الى الجبال قد يبعدهم عن الخطر المباشر لقصف طيران العدو الذي كان يحلق بشكل مستمر فوق المدينة ومرافئها ، ومصفاتها النفطية ،وبأن منزل ابي محمود اكثر أماناً من منازلهم .
يتابع ابومحمود حديثه وهو يبتسم كيف كان يؤمن حاجيات اربع اسر من الطعام وهو الذي لايملك سوى على خمسمئة ليرة، وكيف ازدادت الاعباء على ام محمود ، وعلى ولده ابن الثالثة عشرة من عمره وهو يقف ساعات امام فرن القرية للحصول على مايكفيهم ليوم، ويتذكر ابو محمود كيف استقبلوا جميعاً استشهاد اخ زوجة صديقه ، بمزيج من الحزن والعزة وكيف تحول منزله إلى منزل عزاء ومواساة ومباركة بالشهادة .
وبعد كل هذا التعب في النهار لم ينس ابو محمود كيف كانوا يجلسون مساء امام التلفاز بصورته البيضاء والسوداء لمتابعة اخبار المعركة ، وكيف كانوا يهللون لكل خبر فيه انتصار لقواتنا ، واذا أرادوا سماع المزيد كما يقول:
كانوا يستمعون الى المذياع الذي كان يبث اخبار المعركة بشكل مستمر .
أبو محمود لم ينس كيف تحولت جميع منازل القرية وباقي القرى الى مضافات تستقبل اسرة ابتعدت عن منزلها ظناً منهم انها قد تستهدف .
في كل عام يتحدث ابو محمود بذات القصة ، وفي عينيه بريق يسافر بك الى السادس من تشرين الأول عام 1973م وهو يقول ألا ليت تلك الايام تعود ويستدرك ضاحكاً دون حرب .
هذه الحادثة لم تكن في قرية ابي محمود فقط بل كانت في جل قرانا وبلداتنا ، ولم يكن الوحيد الذي استقبل اصدقاء واقارب له في تلك الايام الصعبة ، بل مثله الكثير.
هذه الشهامة لشعبنا السوري تكررت مراراً ، ايام استقبل اشقاء له من لبنان على امتداد الحرب الاهلية ، وتكررت على امتداد تراب الوطن اثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان في تموز 2006م ، حيث تقاسموا لقمة العيش مع الشعب اللبناني ، وسكنوا ذات المنزل .
كما كان المواطن السوري بذات الشهامة والاستقبال مع اشقائه العراقيين إبان الاحتلال الاميركي للعراق ، واستقبل قرابة المليوني عراقي ، ومن قبلهم الفلسطينيون حتى باتوا احد انسجة المجتمع السوري .
هذا هو المواطن اوالمجتمع السوري ، فكما هو ايام السلم متعاون متسامح فيما بينه ، متعاطف متعاون مع جميع الاشقاء العرب ، هو كذلك ايام المحن والازمات مضياف كريم ، كرم الارض التي تعيش عليها ويأكل من خيراتها ...هكذا كان ...وهكذا سيبقى .