تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تسمَّر في أرضه.. وأوصل الكرامة للجميع

مجتمع
الثلاثاء 6-10-2009م
غصون سليمان

مازلت أتذكر تلك السحابة السوداء التي غطت سماء منطقة مصياف.. كنا في المرحلة الابتدائية لم ندرك حينها عن كثب حجم الحقد والكره والبغض الصهيوني وأبعاد ما يرمون إليه من قصفهم للبنى التحتية والمنشآت الحيوية الاقتصادية والخدمية والثقافية وغيرها، فكانت الضحية في الأيام الأولى لحرب تشرين هو قصف مصفاة بانياس والتي تختصر في قصفها كثيراً من الأسئلة.

ومع تنامي وعينا أدركنا أهمية حرب تشرين التحريرية ونتائجها وانجازاتها المثمرة على جميع الأصعدة، وأهم ما فيها أنها طردت من مساحات هواجسنا وأعماقنا ودواخلنا شعور الخوف والاحساس بالهزيمة والتي حاول العدو الصهيوني غرسه فينا وتكريسه في صفوف أبناء هذه الأمة.‏

إنها أيام نتأملها بكبرياء الوطن وطهارة دم الشهداء وعزيمة المقاتلين مفردات تشرين التحرير جعلت المواطن السوري يتسمر في أرضه ويتباهى من أعلى أسطحة المنازل وأودية السنديان والهضاب أن طيران وصواريخ العدو وجميع أسلحته الفتاكة لن ترهب إرادة هذا الشعب، وإنما زادته إصرارا على التحدي وبلوغ أقصى درجات التلاحم والوحدة وبالتالي لن تنسى ذاكرة هذا الشعب ممن عاصر تلك المرحلة المتألقة رغم قساوتها من أن تراب الوطن يستحق أن نبذل في سبيله الغالي والنفيس.‏

رغيف الخبز‏

رغيف الخبز باختصار هو رمز البقاء والتحدي وهذا التحدي جسدته بحكمة وعقلانية سياسة القيادة الحكيمة للقائد الخالد حافظ الأسد حين أوصل رسالته السرية إلى الجهات المعنية بوجوب أن تبقى خطوط الانتاج وفي مقدمتها الأفران والمخابز سارية المفعول وأن يتسوق المواطن حاجياته اليومية دون أي وجل أو خوف وهذا ما حصل بالفعل إذ لم نسمع إلا القليل عن أناس حاولوا الزيادة في تأمين حاجياتهم وهكذا بقيت خطوط الإمداد تعبر طريقها إلى النقاط المدنية وخطوط النار بعزيمة وصلابة الرجال الأشداء المعنيين بهذه المهمة لإيصال الخبز الساخن إلى جميع الأمكنة، وهنا نسجل للمجتمع السوري بمختلف أسره أنه كان أهلا لتحمل المصاعب والضغوطات، فكان بمثابة الجيش المدني الخلفي لمن يتقدمون ساحات المعركة، فهؤلاء لم يسألوا عن حجم الشهداء لأن الجميع كانوا مشروعاً لأن يكونوا شهداء فأخذوا على عاتقهم كل من موقعه حماية ورعاية وحراسة المؤسسات والمنشآت والجمعيات خوفا من عبس بعض المندسين، العمال كانوا جنودا في معاملهم كما في إنتاجهم والفلاحون كذلك في أرضهم والطلبة والشبيبة والمنظمات الشعبية الأخرى، نساء حرفيات، صغار كسبة.. الأمهات والأخوات وهؤلاء جميعا تطوعوا لإغاثة متضرري الحرب في المشافي والمراكز الصحية المتعددة، وكان يساعد على ذلك تعامل الاعلام العربي السوري مع الحدث بكامل الوعي والمسؤولية والحماس الوطني، فكان بمثابة البوصلة الحقيقية وقناة للتواصل الآمن الذي جسده سلوك الشعب على الأرض حيث كان المذياع بشكل عام «وراديو الجيب» بشكل خاص ملازماً للأفراد ويرافقهم في كل مكان، فكان الجميع على أهبة الاستعداد تحسبا لأي طارىء وبالعودة إلى الذاكرة مازال ذاك المشهد ماثلاً أمام عيني حين سمعت جارتنا أم علي وهي في عقد الخمسينات من عمرها أن ابنها الملازم الطيار محمد (أبو أيهم) وهو لم يمض على زواجه بضعة أشهر قد استشهد بعد قيامه بسبع غارات حاسمة على مواقع العدو الاسرائيلي حسب الرسالة التي أوصلها لها رسل المؤسسة العسكرية، فكانت ردة فعلها أن حمدت الله وطبعت قبلة على جبين هؤلاء رفاق درب ابنها وقالت لهم: لا أنكر أنني فجعت بهذا النبأ ولكن عزائي أن تراب هذا الوطن يستحق أن تسيل من أجله الدماء وابني هو اسم آخر يضاف إلى قافلة الكرامة والإباء وإذا ما رزقني الله بطفل من صلبه فإن الدرب مستمر على خطا العظماء.‏

وما نريد تسجيله في هذه السطور عن هيبة وعظمة تشرين التحرير ما أعلنته سجلات وزارة الداخلية في تلك المرحلة من عدم حصول أو تسجيل أي مخالفات أو حوادث صغيرة كانت أم كبيرة، ما يدلل على حجم وعي الشعب السوري وإدراكه للظروف الدقيقة التي كان يعيشها البلد ما يجعل الجميع يتوجه إلى قبلة الوطن.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية