فمن استمرار احتلال العراق الى مواصلة الارهاب الاسرائيلي بحق شعبنا العربي الفلسطيني وحصاره وتجويعه وتدنيس مقدساته وفي مقدمتها محاولات تهويد المسجد الاقصى وبناء الهيكل المزعوم مروراً بمحاولات اخفاء الجريمة الاسرائيلية النكراء ضد الفلسطينيين في غزة عبر عرقلة وصول تقرير «غولدستون» الى مجلس الامن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية ناهيك عن المؤامرات المستمرة ضد السودان واشعال نار الفتنة في اليمن، وكأن المرسوم لهذه الأمــة أن تعيش في ظل المآسي من محيطها الى خليجها.
ولاشك ان هذه الظروف الصعبة التي تكاد تقضي على ما تبقى من حقوق الأمة وهويتها وتراثها تستدعي من الدول العربية كافة استلهام دروس حرب تشرين وعبرها واستعادة التضامن الذي اثبت فعاليته في تلك الحرب العادلة، فهو السبيل الوحيد والمؤثر والقادر على وضع حد لعربدة اسرائيل وغطرستها وجرائمها وهو السبيل لسوق حكامها الى المحاكم الدولية لمحاكمتهم على الجرائم البشعة التي اقترفتها ايديهم ضد اهلنا في الارض المحتلة، فإذا كانت حرب تشرين التحريرية نقطة تحول نوعية في الصراع العربي الاسرائيلي من جهة وعلى صعيد العلاقات العربية الدولية من جهة اخرى فإن التضامن الكبير الذي حصل آنذاك بين العرب ووقوفهم يداً واحدة في وجه العدوان هو الذي انتج هذا التحول النوعي، وبغير هذا التضامن لا يمكن للعرب ان يدافعوا عن المسجد الاقصى اليوم ولا ان يمنعوا اسرائيل من تهويده ومحاولات هدمه لبناء الهيكل المزعوم ولن يحصدوا عبر الفرقة والتشتت إلا الريح وستكون اسرائيل في نهاية المطاف قد حققت مآربها العدوانية تجاه المسجد الاسير، وبغير هذا التضامن ايضاً لا يمكن لتقرير المدعي العام الدولي ريتشارد غولدستون ان يصل الى المنظمات الدولية والمحاكم الدولية لمحاسبة مجرمي الكيان الاسرائيلي لأن العالم لا يمكن له ان يكون ملكياً اكثر من الملك ولا يمكن لأحد ان ينتصر لدماء الآلاف من اطفال ونساء وشيوخ غزة ما لم يقف اصحاب القضية الموقف القوي والتضامني ويكون صوتهم واحداً في اروقة الامم المتحدة والجمعية العامة وبقية المنظمات الدولية.
لقد احدثت حرب تشرين التحريرية مفاهيم جديدة في الصراع كان العدو يحاول طمسها وترسيخ مفاهيم غيرها في اذهان مستوطنيه والرأي العام العالمي وحتى في العقل العربي وخلاصتها ان النصر لا يمكن ان يكون حليفاً للعرب في أي حرب مع هذا الكيان العنصري وأن جيشه لا يمكن قهره استناداً الى اسطورة التفوق التي درج على تكريسها في الاذهان.
فقد جاءت الحرب لتشكل صدمة كبرى للمستوطن الاسرائيلي حين رأى كيانه العنصري ينهار امام عينيه وحين رأى المقاتل العربي يحرر ارادته من كل قيد ويحقق نصراً مؤزراً على آلة الحرب العدوانية ويؤسس للزمن الآتي, انتصارات اخرى حققها المقاوم العربي في جنوب لبنان وفي غزة المحاصرة والعدوان الاسرائيلي الاخير خير شاهد على ثبات المقاومة وانتصارها على قوى الشر مهما تكبرت وتجبرت.
وعلى الصعيد العالمي كانت الحرب فرصة ثمينة لاعادة انتاج العلاقات العربية مع الدول الغربية على قاعدة جديدة قوامها الاحترام وتأييد قضاياهم العادلة واعتراف دول كثيرة بدورهم وثقلهم ولهذا كله فإننا مطالبون اليوم بوقفة مع الذات لبلورة موقف تضامني موحد ينتصر لغزة وللأقصى وللحق الفلسطيني مثلما ينتصر للسودان والعراق وكل شقيق عربي.