أبرز الرجال ومن حولهم فرق موسيقية والمستمعين إليها، وذهب بعيداً فصوّر الصيادين الذين أنتجوا إيقاعات بشباكهم التي رآها ترقى إلى خلق تناغم أشبه ما يكون بالموسيقا. وكان معرض سعد يكن احتفالاً بأرقى ما يمكن تصوره من الإبداع البشري، فتحول هذا المعرض إلى احترام الفن التشكيلي لعالم الموسيقا الذي فتن به كما يفعل الإنسان البدائي والمتحضر على حد سواء، وهما شريكان في دهشتهما تجاه هذا الإنجاز المبدع.
ومن قبل احتفل سعد يكن في معرضه السابق بواحدة من أهم ما أعطاه الأدب العالمي وأعني بها (ألف ليلة وليلة)، تلك الحكايات التي نسجت خيوطها مخيلة الشرق فتواصلت معها روح الغرب والعالم بأسره. كان المعرض الذي كرّس لتلك الرائعة الأدبية قبل سنة، واليوم جاء هذا المعرض عن الموسيقا.
نعود إلى معرضه الحالي الذي أقيم في صالة (آرت هاوس) بدمشق، وقد رسم له حدوداً تتحرك بداخلها حيوية من الخطوط والألوان لتتماهى مع الروح الموسيقية التي تشبه الأحلام، أو أنها الرؤى التي سكنت مخيلة سعد يكن فتحولت إلى خيالات لم تبتعد عن أسلوب هذا الفنان، وإن كان أبرزها قد حقق تقدماً على ما سبقه من أعمال، وكأن عذوبة الموسيقا قد رققت من مشاعر رجال الأوركسترا والمايسترو صلحي الوادي والشيخ صبري مدلل مع رجال من العازفين والمستمعين، وكذلك جماعة الصيادين مع شباكهم، ويمكن الاعتراف بأن (الحظ) الواثق والقوي لسعد يكن في معرضه هنا، كان في مرحلة متقدمة من مسيرته ليحقق مرونة يقف المشاهد أمامها بدهشة وإعجاب.
لقد ملأ سعد لوحاته بالشغف، فكان حجمها الكبير يسمح لمخيلة المشاهد أن يتصور اللوحة الواحدة لائقة بجدار فسيح وكامل، وكأن رسوم الكهوف القديمة كانت تمهيداً لفعل شيء حديث في هذا العصر. وكأن سعد يكن يقول لنا ما فحواه إنه مستعد ليضع لنا تجسيداً لعلاقة التشكيل بالموسيقا بأفضل ما في تلك العلاقة من حميمية، أي أنها برؤيته وبالخطوط التي امتلك التلاعب بها تدفعه الخبرة الطويلة، فكانت تلك الخطوط للوحة أساساً وبناء، وقد تفاعلت جماليات الألوان معها.
وأشعر بأن أمنية عندي إذا ما انتهى المعرض، سيجد له مكاناً في أي من المؤسسات كمتحف أو أي مكان آخر. وهكذا نستدل على تجسيد أهمية الموسيقا، وقد يدفع فنانين غيره إلى تناول الموضوع نفسه أو يكون عن (الحب) أو (الصداقة) أو (الحرية)، فنحن بحاجة إلى مثل هذه القيم النبيلة والجميلة، وكذلك الأجيال من بعدنا.
ا