له من الكتب الفنية: ملحمة جلجامش 1997، نساء وطوفان 1998، الطرب في حلب 2000، التحرر 2002، ألف ليلة وليلة 2008.
سعد يكن يعيش ويعمل في حلب متفرّغاً للعمل المهني وأعماله موزعة في مختلف أنحاء العالم.
في هذا الكتاب «موسيقا» يختار سعد يكن الأعمال التي يعرضها الآن في صالة «آرن هاوس» بدمشق، بالإضافة إلى أعمال مدروسة ودراسات أقامها خلال السنوات التي سبقت الإعداد لهذا المعرض.
فلا أحد يعرف متى هندس سعد نفسه على هذا الشكل، كان جزءاً من مقهى القصر، هذا في منتصف السبعينات، واحداً من أهم معالمها، إنه يرتب البشر، يجلسهم على المقاعد، ثم يزيحهم عنها، وعندما لا تعجبه أشكالهم يعريهم من ثيابهم، أو يجعلهم يخلعون أحذيتهم ويرتدون عواطفهم، يأخذهم معه ليعيد تكوينهم كما يشاء.
إنّ أوّل كتاب تعرف عليه سعد هو «القرآن الكريم» وعندما تحولت الحروف إلى أشجار وسماء وأرض وخرفان وماء، راح يقرأ قصص الأطفال ذات الخيال الموحش والمغامرات، ومنها إلى أقبية الكتب التي تبيع سير الملوك والعشاق الخائبين، و «عندما اكتشفت أصابعي، رحت أفكر كيف يمكن لي أن أحوّل العالم إلى مشاهد جديدة، لا يعرفها أحد، صرت أرى العالم ملوناً بألوان الطبيعة ذاتها، لذلك فكرت بأن أجعل العالم يغني على الجدران».
قال عنه وليد اخلاصي: «في أواخر الستينات لفت انتباهي شاب لم يتجاوز العشرين من عمره، كان يتردّد على «مسرح الشعب» مصطحباً أوراقه وأقلامه، ينزوي في ركن ويبدأ الرسم، وفي إحدى المرات اقتربت منه في فترة الاستراحة، عرّف على نفسه بأنه يهوى الرسم، وهو يدرب نفسه على رسم الشخصيات، وهذا المكان «المسرح» من أفضل الأماكن لمتابعة حركة الأشخاص وتثبيت اللحظات التي يراها مع تداخل النور والظل والعتمة، وفي السنوات التالية أدركت أنه يمتلك الإرادة القوية ليكون فناناً ولا شيء آخر». ولكن متى اكتشف سعد يكن الفنان القابع في داخله ؟. إنه ولد فناناً بشاربيه المعقوفين إلى الأعلى وغليونه وأناقته ونظافته وجلسته الاعتيادية في المقهى، ربما يكون قبل ذلك بكثير، أيام الطوفان مثلاً... أيام الخليقة الأولى، ربمّا كان يرافق الكهنة في المعابد، يحمل آنية البخور معهم، ويبحث عن مكان آمن يلقح فيه أفكاره ويجلس تحت ظل ليرسم تاريخ البشرية.
وكان لا بّد من التعرف على حياة الفنانين ودراسة سيرتهم الذاتية والتعرف على أصول وقواعد الفن والمدارس الفنية وقواعد اللون والضوء التشكيل العالمي والعربي، وهناك الحوارات والصداقات والتعرف على الكتاب والشعراء الذين يلامسون موقفه الذاتي من الأشياء والعالم. يقول سعد يكن عن هذه المرحلة» عندما توسّعت دائرة معارفي الاجتماعية، تطوّر مفهوم القراءة عندي، فأصبح مرتبطاً بالموقف من الإنسان والعالم، لذلك وجدتني أقرأ الكتب الاجتماعية والاقتصادية وعلم النفس، ومع اعتزالي والدخول في عزلة ذاتية، قرأت المتصوّفة وتعمقت في دراسة ابن عربي والحلاج والسهروردي، وحوّلت إشراقاتهم إلى أعمال تشكيلية تمثل أفكارهم وتلخص حياتهم في لوحة واحدة».
في لوحاته سنجد قراء الصحف قد أداروا ظهورهم إلى الطاولة، وكل واحد يقرأ في صحيفة، والسياسيون يتحدثون معاً بلغة واحدة وصوت واحد، لا يجدون بينهم سوى لغة الصراخ وإلغاء الآخر، والمغني في وسط الحلبة يغني لنفسه والجوقة في واد آخر، تطلق آهاتها الحبيسة في وجه الليل والمكان، والعشاق متنافرون والأصدقاء يكيدون المكائد لبعضهم، وكل يغني على ليلاه، عشاق فاشلون، أزواج تعساء، رجال محرومون من العاطفة الزوجية، وهكذا تمضي السهرة إلى آخرها ويحمل المتعبون أثقالهم ونعاسهم وتعبهم، ويبقى سعد يكن ينتظر آخر رجل في المقهى، يرصده وحيداً مع الكراسي وما بقي من سهرة البارحة ليملأ لوحة اليوم التالي بها.
لا يسترخي سعد يكن إلى النجاحات الفنية التي يحققها، إنه في رحلة البحث المستمرة، لا تغريه متعة اللون الواحدة، فتراه في حالة توقّد ذهني وهو يطلق خياله الخصب على آخره، وكأنه يريد أن يصل باللوحة إلى اللامنتهى، ثم يكتشف أن ذلك لم يكن إلا بداية لموضوع جديد، فيؤسس من الفكرة الصغيرة موضوعاً متكاملاً. وهذه المواضيع التي يتناولها في لوحاته مواضيع ذهنية مركبة ومبنية على خلفية ثقافية عميقة تجسد الصراع بين الخير والشرّ، الحلم والواقع، القوة والضعف، في حركة متضادة أحياناً، متنافرة حيناً آخر، يقوّيها انشغال باللون والتماهي به إلى درجة الذوبان.
إنها عين الفنان المبدع عندما ترى ما حولها وتلتقط المهم في الحياة ليتحول عبر آلية معقدة ومتناسقة وتموجات لونية خشنة وباهرة، إنها مغامرة، فيها جرأة الكتابة التشكيلية العفوية والمباشرة التي تؤدي إلى موضوع معقد تستعصي دراسته على علماء النفس، إنه أوّل من يكتب قصة النفس الإنسانية عبر تشكيل اللون والضوء، ويتلاعب بالألوان بحرية كبيرة لتؤدي دورها في إخراج الإنفعالات والرغبات الدفينة، ويعطي للون الأحمر أهمية خاصة، إنه يخرج رغباته بواسطة الصور، رغباته في إخراج كل ما يشين الإنسان في جوفه إلى الخارج ليبقى نقياً طاهراً، كما الطبيعة البكر وهي تتناغم بعذوبة البهاء.
قد تكون لوحات «صبري مدلل» شيخ الطرب في حلب، من أعقد اللوحات وأكثرها حداثة، وقد وجد سعد يكن فيه أنموذجاً يخلد كل ما يحبه الفنان في مدينته التي ولد وعاش فيها، إننا نقف أمام اللوحة فنسمع صوت المغني الأجش، وهو يغني القدود الحلبية، ونحسّ بالتأثر البادي على وجهه ويتمايل مع الأهات التي تنطلق من حنجرته، الجوقة تعصف وراءه والألوان تتمايل خدرة منتشية ورائحة المكان تندفع عبر الموسيقا وخلفية اللوحة تتماوج بالأزرق الفاتح والداكن المطعم بالسواد واللون الأحمر يستلقي بجرأته على الجميع، يخترق البياض وهو ينشد لحن الخلود.
كذلك في لوحة الصيادين وهم يرممون شباكهم سنجد السمكة فوق رؤوسهم، إنها الحلم الطاغي عليهم، بلونها الفضي الضارب إلى النحاسي، وهم مشغولون بصمتهم وهدوئهم عبر ألوان متدرجة من الأحمر في أعلى اللوحة إلى البرتقالي، مروراً بالأزرق في تدرجاته اللونية، إلى الأسود إلى الأبيض الملطخ بالسواد أشكال حزينة، تحلم بالموت والخوف والقلق وحب الحياة.
ضم الكتاب لوحات للموسيقا، وللصيادين، ولصبري مدلل وللمقهى. ليبقى سعد يكن فناناً يطير وحده خارج السرب.