السمة الناظمة لردّ الأستاذ يوسف سامي اليوسف الحقد علينا لحقه المغتصب، والاتهام والهجوم.......... وهذا من حقه حيث يجب أن تعود الحقوق إلى أصحابها، ولكن بغير هذه المفردات التي لا تليق بناقد ومفكر /وصاحب حق/ الهبوط إلى ذراها.
التهمة الأولى والأهم
يتهمنا الأستاذ بسرقة تعريفه للنقد، الوارد في كتابه “القيمة والمعيار” ولنا أن نذكر أستاذنا أن هذا التعريف ليس من بنات أفكاره وهو ليس حقاً حصرياً له مسجلاً في رصيده المعرفي.
إليكم بعض الأدلة على ذلك:
“لابد للعمل الفني من معايير للقيمة... لابد أن يكون للناقد معيار يعرف به الجودة الفنية ويقيسها، هذا المعيار، قد يكون مشابهة الواقع أو النبل الأخلاقي، أو القوة الانفعالية.
وبدون هذه المعايير، لا يستطيع أن يدعم حكمه وبدونها أيضاً، لا نستطيع نحن أن نفهم السبب في إصداره هذا الحكم.
هذه المعايير تبين بوجه عام، إن كان العمل جيداً في نوعه، فهي تقيس القيمة لا في العمل المحدد فحسب، بل أيضاً في أعمال أخرى مشابهة”
النقد الفني-دراسة جمالية وفلسفية، ترجمة قؤاد زكريا ط2، 1981 ص670-671 ومجمل البابين الخامس والسادس.
أفليس في هذا المقبوس ما يدل بوضوح على القيمة والمعيار الذي يدعي أستاذنا حق ابتكاره واحتكار ملكيته؟! ثم ألم يستعر الأستاذ عنوان كتابه «القيمة والمعيار» من كتاب “مقالة في النقد” للكاتب كراهام هو، الواقعة في الفصل الرابع عشر الصفحة 107 والمعنونة بنفس العنوان «القيمة والمعيار» والكتاب من ترجمة محيي الدين صبحي.
وإليكم مثالاً آخر حول وظيفة الناقد:
“إن الأسئلة التي يسعى الناقد إلى الإجابة عليها لاتبدو صعبة جداً رغم أنها معقدة، مثل: ما الذي منح تجربة قراءة قصيدة معينة قيمتها؟ وكيف تكون هذه التجربة خيراً من سواها؟ لماذا نفضل هذه الصورة على تلك؟ ما الطريقة التي ينبغي أن نصغي بموجبها إلى الموسيقى لنحظى بأكثر اللحظات قيمة؟ لم يكون رأي ما في أعمال فنية ليس بجودة رأي آخر، هذه الأسئلة الجوهرية المطلوب من النقد الإجابة عليها”. مبادئ النقد الأدبي، ريتشاردز، وزارة الثقافة ص8. أوليس في هذا المقبوس القيمة والمعيار.
مثال آخر لتعريف النقد: “من ثم ينظر إلى الناقد وقبل كل شيء بوصفه خبيراً له قدرة خاصة ودراية بالحكم على قطعة أدبية أو على عمل مؤلف معين فيفحص مزاياه وعيوبه ويصدر حكماً عليه”.
نظرية النقد-مقالات نقدية القسم الثاني ص536 عز الدين اسماعيل، إصدار وزارة الثقافة.
لو حاولنا اختصار هذه التعاريف وتكثيفها فما هو التعريف (الخلاصة) الذي نستخلصه، نترك ذلك للقارئ الكريم.... وهل يمكن الحديث عن تعريف للنقد بتجاوز القيمة والمعيار وإليكم هذا التعريف: “أما غرض النقد الأدبي فمن علماء النقد من يزعم أنه التمييز بين تجربة وأخرى من التجارب الأدبية التي تقع بين أيدينا، بعد فهمها وتذوقها، ثم تقيم هذه التجربة، أي تحديد قيمتها، وأخيراً إصدار حكم عليها، المصدر نفسه ص648، إبراهيم ناجي.
وأخيراً وليس أخراً: النقد في تعريف المحدثين هوالتقدير الصحيح لأي أثر فني وبيان قيمته في ذاته، ودرجته بالنسبة إلى سواه، النقد الأدبي في الاصطلاح هو تقدير النص الأدبي تقديراً صحيحاً وبيان قيمته ودرجته الأدبية” نفس المصدر ص 364 فؤاد الشايب.... ثم يستحسن الرجوع إلى مقدمة كتاب تشريح النقد لنور ثروب فراي.
والسؤال: كيف ارتضى الأستاذ اليوسف أن يختزل جهده النقدي الثري بتعريف “أراه زبدة جهودي كلها في مضمار النقد الأدبي” هل يعقل أن يختصر نتاجه في تعريف أصلاً ليس من ابتكاره، وهل فعل ذلك لتهويل الجريمة المرتكبة بحقه تعظيماً للعقوبة؟!...
أما أن مقالنا آنف الذكر، “بمثابة تلخيص لروح الكتاب الذي هو حصيلة تطور دام عشرات السنوات” فإننا نحيل القارئ إلى مقالتنا وهي في مقدمة كتابنا، فروح وجوهر ما أردنا نقاشه ومعالجته لا يمت بأية صلة إلى موضوع وأفكار الكاتب، ولا إلى أسلوبه في المعالجة ولا إلى مرجعيته المعرفية ولغته النقدية الإنشائية، ثم ما هو منهج الأستاذ اليوسف، فهو ينسب إلى نفسه “منهجي النقدي” ونحن نعرف أن النقد العربي يفتقر إلى منهج ينسب إليه، وهو يستفيد من كل المناهج المعروفة وهذا غنى وليس عيباً فالمناهج المعرفية والاكتشافات العلمية لا تنسب إلى عرق أو قومية.
مظلة التناص
لن نحتمي بمظلة التناص، لتبرير التأثر أو التأثير فالإنسان منجز ثقافي، ولا توجد ثقافة صافية الناقد «حصالة معارف ومعلومات» ولابد أن تفلت أو تتسرب من خزان ذاكرته بعض الأفكار أو المفردات وأحياناً صياغات جاهزة هي ليس من قبيل السرقة وإنما “زلات الذاكرة”.
“كل النصوص الأدبية محاكة من نصوص أدبية أخرى، ليس بالمعنى العرفي الذي مفاده أنها تحمل آثاراً منها، وإنما بالمعنى الأشد جذرية، والذي يعني أن كل كلمة أو عبارة، أو مقطع هو إعادة تشغيل لكتابات أخرى سبقت العمل الفردي، أو أحاطت به، ليس ثمة أصالة أدبية، وليس ثمة عمل أدبي أول، كل أدب هو تناص، وهكذا لا يكون لقطعة محددة من الكتابة حدوداً مرسومة بوضوح فهي تتناثر على نحو متواصل من الأعمال المنعقدة حولها مولدة مئات المنظورات المختلفة التي تتضاءل إلى حد التلاشي” نظرية الأدب، تيرى ايغلتون، وزارة الثقافة ص236.
يرى فوكو: “أنه لا وجود لتعبير لا يفترض تعبيراً آخر، ولا وجود لما يتولد من ذاته، دراسات في نقد النقد، د. لطفية برهم دار الينابيع ص122.
هذه الآراء ووجهات النظر تنطبق علينا وعلى كل العاملين في حقول الكتابة المختلفة، فلماذا يجيزها اليوسف لنفسه ويحرمنا حقنا في الاستفادة منها، وإذا فعلنا ذلك اعتبره سرقة واختلاساً.
كلمة أخيرة
استخدم الأستاذ اليوسف في مقالته طريقة انتزاع الجمل والمفردات من سياقها، والمعروف أن العلاقة بين الدال والمدلول اعتباطية ومراوغة والمفردة «العلامة» إرجاء أكثر منها ظهور، فهي لا تكتسب معناها إلا من خلال السياق والجملة من خلال النسق، فبنفس المفردات والجمل تختلف المعاني والأفكار حسب السياقات والمرجعيات والحمولات الدلالية.
بوسع أي قارئ أن يتصفح كتاباً نقدياً لأهم ناقد ويتهم صاحبه بسرقة مفرداته، فاللغة ملكية اجتماعية عامة، مفرداتها مشاع للجميع، والحكم للكلام والصياغة، وبخاصة عندما يجري الحديث عن المصطلحات الأدبية والعلمية فهي رصيد معرفي عالمي، “والقيمة والمعيار” مفهومان أصلاً ليسا من فضاء النقد، أصلهما من الفلسفة والاقتصاد تم توطينهما وتوظيفهما في علم الجمال والنقد الأدبي واستخدامها حق للجميع من ينكر أن العقل معياري وأن الحكم على النصوص خاضع للزمن، وأن فساد الذائقة علة كل انحطاط، وأن على الناقد محاربة الغوغائية... هذه مفاهيم عامة أصبحت بمثابة المسلمات، تماماً كما تقول القيمة المضافة، أو متعة المتخيل، أو الفضاء النصي فهل في استخدامها وعدم إحالتها إلى مراجعها اختلاس؟!
ترى كم مقالة في الصحافة السورية وحدها في العام الجاري كتبت حول فساد الذائقة والترويج للرداءة وخلط الأوراق وغياب المعايير.
وأخيراً يتهمنا الأستاذ اليوسف بتواتر مقولات القيمة والمعيار والذائقة التي جاءت تلخيصاً لكتابه، ألم يقل الأستاذ في بداية مقالته “ولعل مسألة القيمة... والمعيار أن تكون واحدة من أبرز القضايا الأدبية وأحقها بالبحث والنظر”؟ فلماذا يصادر حقنا في النظر والبحث ونحن نعمل في حقل النقد الأدبي، فإذا حذفنا مفاهيم القيمة والمعيار، والعقل والذائقة فماذا يتبقى؟!.... من علم وفن النقد، لذلك يجمع النقاد على أن غاية النقد النهائية إصدار حكم القيمة على النصوص على أساس المعايير المتغيرة بتغير الظروف والشروط التي أنتجتها....
وعليه فنحن لم ننتحل خلاصة وزبدة كتابه دون شعور بالمسؤولة كما جاء في رده، وإنما تحدثنا عن أهم ما في النقد الأدبي من قضايا.