وحالة الهلع والخوف التي تسيطر على (دولة ) الاحتلال هي نتاج طبيعي و مفرز واقعي لجملة المتغيرات والتحولات التي تجتاح المنطقة والتي سوف تؤدي بحسب المعطيات والمؤشرات الموجودة والمتوافرة على الأرض الى خلق معادلات جديدة تحكمها توازنات دولية وليدة و اصطفافات سياسية تواكب وتحاكي تلك التوازنات التي من شأنها أن تؤرخ لولادة مرحلة بأبعاد ومفردات وموازين قوى مختلفة من شأنها أن تغير وتبدل كثيراً في عناوين الواقع القائم الذي يفرض نفسه على الساحتين الإقليمية والدولية منذ أكثر من عقدين وتحديداً منذ انهيار الاتحاد السوفييتي نهاية ثمانينيات القرن الماضي .
التبرير الإسرائيلي لطلب الزيادة والذي أسهبت صحيفة ( معاريف) الإسرائيلية بشرحه بقولها : (إن فوز مرسي أحدث تغييراً في موازين القوى ورؤية قادة الأجهزة الأمنية في إسرائيل)، لم يكن مقنعا لكثير من المحللين السياسيين والمتابعين للمشهد الإقليمي والدولي كون اسرائيل تملك ما يكفي ويفيض من التقنيات والمعدات العسكرية اللازمة لأي مواجهة محتملة مع كل الأطراف، لكنه يحمل بعضا من حقيقة النهم الاسرائيلي المتواصل الذي لا يتوقف لتضخيم وتعزيز قدرات إسرائيل العسكرية بمختلف مستوياتها وأصعدتها، وهي حقيقة تحاول إسرائيل على الدوام إخفاءها خلف تلك الحجج والتبريرات التي تسوقها إسرائيل في العالم عن أنها الحمل الوديع الذي يعيش في غابة من الذئاب التي تقتنص الفرص للانقضاض عليها وافتراسها .
الخطوة الإسرائيلية بزيادة ميزانيتها العسكرية والتي تخفي خلفها وبين طياتها الكثير من الأهداف والنوايا الإسرائيلية لا تحتاج الى الغوص عميقا لسبر أغوارها واصطياد أبعادها ومدلولاتها، انطلاقا من أن أي قراءة متأنية وموضوعية لخريطة الوضع القائم الذي يبدو أنه دخل في مخاض عسير لولادة مرحلة ما بعد عصر الأحادية القطبية والهيمنة الأميركية، تكشف حقيقة زيادة ميزانية اسرائيل العسكرية التي تستند بشكل أساسي الى خوف واضح وكبير من تبدل إيقاع اللعبة وتغير قواعد المعادلة، كما أنها تتكئ على هاجس اكبر وكابوس مرعب يرجع مصدره الى ملفين اثنين يقلقان اسرائيل الى حدود لامعقولة من الهيستيريا والجنون اللذين سيدفعانها بحسب التوقعات والتسريبات الى ارتكاب حماقات او مغامرات غير محسوبة العواقب على مختلف الجبهات سواء الجبهة الفلسطينية في قطاع غزة او اللبنانية او المصرية او الإيرانية او حتى السورية سعياً لاستعادة زمام المبادرة او بعضاً من تلك الأوراق التي خسرتها إسرائيل في المنطقة.
الأول هو الملف النووي الإيراني المتخم بالعقد والتعقيدات التي يضعها الغرب أمام وخلف وحول كل محاولات الحل السلمية السياسية لهذا الملف الذي يرقد على حافة المواجهة بعد أن وصل الى حدود الانفجار المتوقع في أي لحظة خاصة في تلك التهديدات الإسرائيلية المتكررة بضرب المنشآت النووية الإيرانية.
أما الملف الثاني فهو الهاجس الإسرائيلي بسقوط المشروع الصهيو- أميركي في المنطقة عموما وسورية تحديدا، الأمر الذي يعني عودة قوية للدور السوري الفاعل والمحوري والمركزي في المنطقة بشكل أكثر صلابة وتمسكا بالحقوق والمواقف والثوابت التي كانت على الدوام تقف حجر عثرة في وجه المشروع الصهيو- أميركي .
الزيادة الإسرائيلية في ميزانيتها العسكرية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة خاصة في ظل الدعم الأميركي اللا محدود لحكومة الاحتلال وتحديدا الدعم في المجال العسكري الذي يتجاوز الـ60% من حجم المساعدات الأميركية لإسرائيل، ونذكر في هذا السياق ما أقرته الإدارة الأميركية قبل حوالي شهرين من تقديم دعم إضافي لإسرائيل بقيمة 70 مليون دولار لتطوير ما يسمى بمنظومة (القبة الحديدية) الصاروخية الصهيونية من أجل حماية الكيان الصهيوني من أي هجمات صاروخية محتملة لترتفع مع هذا الدعم قيمة المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة لنظام (القبة الحديدية ) في الكيان الصهيوني إلى 280 مليون دولار، هذا بالإضافة إلى ثلاثة مليارات دولار تقدمها الحكومة الأميركية سنوياً إلى هذا الكيان كمساعدات أمنية لضمان استمرار تفوقه العسكري في المنطقة، وهو الأمر الذي أكده ليون بانيتا وزير الدفاع الأميركي مؤخرا عندما أشار الى أن وزارته تخطط لطلب مزيد من الدعم العسكري الإضافي للكيان الصهيوني اعتمادا على عملية تقييم سنوية للاحتياجات الأمنية في إسرائيل.