فوجئ الخطيبان بالملتحين يتهجمون عليهما ويتهمونهما بارتكاب فاحشة في مكان عام ثم بادروا الى الاشتباك مع احمد وأوسعوه ضربا ثم طعنوه بالسلاح الابيض حتى فاضت روحه صاعدة الى خالقها تتساءل بأي ذنب قتلت . خطيبته التي كانت الشاهد الوحيد على المأساة سمعتهم يقولون :إنهم من جماعة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) . وارتج الشارع المصري للحادثة فهي تتويج لعدد من حالات تغول التطرف التي وقعت في أماكن متعددة من مصر في الشرقية وغيرها وأخيرا في السويس .وبعد عدة ايام ألقي القبض على ثلاثة من المتهمين بالاعتداء والقتل . أمن السويس قال انهم لاينتمون الى جماعة سياسية او دينية ما أثار العجب .
مثل هذه الحوادث كانت غريبة عن المجتمع المصري – لذلك سارع علماء الاجتماع والنفس والمختصون بالقانون والشرع الى التحاور والتخاطب عبر الفضائيات بسبب ما يحدث بعد انتخاب محمد مرسي (الاخواني) رئيسا لمصر .وطالب بعضهم بسن قوانين وتشريعات لحماية الحريات المدنية وفرض عقوبات مشددة ورادعة ضد كل من يتعدى على حرية المواطنين الشخصية مادامت الحرية معتمدة على مبدأ لاضرر ولا ضرار .
القضية انعكست في النقاشات الراهنة حول طبيعة الدولة وماهية الدستور المصري الذي يجري الإعداد له بالتأسيسية التي تضم اكثر من نصفها من اعضاء حزب الحرية والعدالة الاخواني وحزب النور السلفي . ولقد احتج كثيرون على تركيبتها التي يرونها ناقصة ولا تمثل كافة المصريين . وكثرت في المقابل الفتاوى الموجهة للرئيس المنتخب حتى إن بعضهم أفتى بحرمة تعيين امرأة نائبة للرئيس كما ان بعض الفتاوى حرمت تعيين ( قبطي ) نائبا للرئيس .
أتتجه مصر الى دولة دينية – اسلامية ؟ أم إنها تتجه نحو ان تكون دولة مدنية دستورية وديمقراطية . لقد سجل المراقبون ان الرئيس الجديد لم يذكر في خطاباته وكلماته كلمة ديمقراطية ومر مرور الكرام على عبارة مدنية دستورية.
القائمون على صياغة الدستور حائرون والطلبات متباينة وكثيرة وثمة التناقضات بين التيارين العلماني والديني : هل يكون الاسلام مصدرا من مصادر التشريع كما يرى العلمانيون ؟ أم يكون الاسلام مصدر التشريع الوحيد كما يريد الاسلام السياسي الذي وصل الى الحكم في مصر بعد ثورة كان امل الناس كبيرا عليها منذ عام ونصف العام ؟
مصر الدولة هل تتجه الى ان تصير كما يريد منهج الاخوان المسلمين ام ان الواقع المصري العميق يرفض مبدئيا ( الدولة الدينية)؟ منذ محمد علي وما بعده ظلت مصر دولة مدنية علمانية – ولأن الشعب المصري عرف طريقه الى التغيير – أي الساحات والميادين العامة فإنه من الصعب ان لم نقل من المستحيل فرض دولة دينية على هذا الشعب – بالرغم من انه شعب متدين بطبعه . الحقيقة ان الايام التي انقضت منذ مجيء مرسي للرئاسة امتلأت بالاقاويل والتوقعات والتساؤلات : هل يكون مرسي منفذا لإرادة الشعب المصري ام منفذا للمشروع الاخواني ؟ هل ينحني ويتأكد من جديد ان من جاء به إلى كرسي الرئاسة قادر على خلعه عنه متى شاء ؟ إن احتدام النقاش في مصر ينصب اليوم على ضرورة ان تخرج مصر بدستور لدولة مدنية ديمقراطية متعددة الاحزاب مع صياغة علاقات ندية بين جميع ابناء الشعب المصري على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم. وهو امر منوط بكيفية تناول التأسيسية الدستورية للقضايا التي تشغل بال الشعب المصري وفي مقدمتها الحريات العامة وبالطبع العدالة الاجتماعية وعدم التمييز بين مصري وآخر على اساس الدين او المذهب أو الجنس.