تجيب «اسرائيل» بأن الدافع الأساس هو ايران التي تتمسك ببرنامجها النووي، و ستكون المقاومة اللبنانية إلى جانبها إذا ما اندلعت الحرب بين الدولتين، مع ذلك، ليس ما تتخوف منه «اسرائيل» لهذه الجهة هو السبب الوحيد لهاجسها المتوقد إزاء المقاومة، ثمة سبب آخر، يلهب هاجسها القديم.
إنه الغاز الذي اكتشفت شركة «نوبل انرجي» الاميركية العاملة لمصلحة «اسرائيل» وقبرص عشرات تريليونات الأقدام المكعبة منه قبالة شواطىء فلسطين المحتلة كما في المياه البحرية الإقليمية لكل من قبرص و لبنان.
لم تكتف «اسرائيل» بمباشرة التنقيب عن الغاز في مكامنه في العمق قبالة الساحل الفلسطيني، بل مدت مخالبها إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية في البحر المتوسط واقتطعت منها ما لا تقل مساحته عن 850 كيلو متراً مربعاً بدعوى أنها من ضمن حقوقها البحرية.
ولتكريس عدوانها على حقوق لبنان البحرية، أبرمت «اسرائيل» اتفاقاً مع قبرص لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما وللتنسيق و التعاون من خلال شركة «نوبل انرجي» في استثمار مكامن الغاز المكتشفة. وقد عززت «تل أبيب» هذا الاتفاق بزيارة وصفتها بأنها «تاريخية» قام بها رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو لقبرص قبل أشهر.
لبنان، أعلن رفضه مزاعم «اسرائيل» حول حقها في المساحة التي اقتطعتها من منطقته الاقتصادية الخالصة، وتوسط الأمم المتحدة عبر قيادة «اليونفيل» العاملة في الجنوب اللبناني من أجل المساعدة في ترسيم الحدود البحرية بينه و بين فلسطين المحتلة، لكن الأمم المتحدة امتنعت عن اجابة طلبه بدعوى أنها لا تتدخل في نزاع بين دولتين إلا إذا طلب منها ذلك. والحال أن «اسرائيل» لا تريد للأمم المتحدة أصلاً أن تتدخل في النزاع، لماذا؟ لأن أحد أبرز أسباب افتعالها هذا النزاع هو دفع لبنان إلى التفاوض معها بغية التوصل إلى اتفاق ثنائي يحقق لها فائدتين: تكريس قبول لبنان بالتفاوض المباشر معها، و تكريس «حقها» كلياً أو جزئياً في المساحة البحرية التي اقتطعتها من منطقته الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط.
إزاء تعدي «اسرائيل» في الاعتداء على حقوق لبنان البحرية و عدم تجاوب الأمم المتحدة معه في تثبيتها، أعلنت المقاومة اللبنانية قبل أشهر التزامها تحرير المساحة المغتصبة من منطقته الاقتصادية الخالصة.
إن اكتشاف حقل ليفاثات الضخم وهو أكبر الحقول الثلاثة التي تم اكتشافها حتى الآن، و التي قدرت طاقتها بنحو ستة عشر تريليون قدم مكعب من الغاز، و من الممكن أن يحتوي على 4،3مليارات برميل من البترول، قد فجر على الفور نزاعاً جيوسياسيا، فلبنان يعتبر أن جزءاً من الحقل الغازي يقع في مياهه الاقليمية في منطقته الاقتصادية الخالصة. لبنان أرسل بشكواه إلى الأمم المتحدة، مرفقة بالخرائط اللازمة، و كان رد وزير الخارجية الاسرائيلي ليبرمان بالقول: «إننا لن نتخلى عن شبر واحد».
ومادق ناقوس الخطر في مشهد الطاقة في البحر المتوسط، هو أن «اسرائيل» كالولايات المتحدة لم تصادق على اتفاقية الامم المتحدة في عام 1982 حول قانون البحار و الخاص بالحقوق الدولية للثروات البحرية. آبار استخراج الغاز الاسرائيلي في ليفاتان هي في المياه الاقليمية الاسرائيلية، ولبنان لا يعترض على ذلك، لكنه يعتبر أن البئر يمتد أيضاً داخل مياهه الاقليمية، وقد أكد حزب الله أن حقل تامار، الذي من المزمع البدء العمل فيه من الآن و حتى نهاية العام، تعود ملكيته للبنان.
واشنطن من جانبها، لم تتأخرفي لعب دورها في مجال سياسة الطاقة الخاص بالنزاع حول الغاز الطبيعي بين لبنان و«اسرائيل». فيما كانت «اسرائيل» تستعد لطرح مشروعها في الامم المتحدة الخاص بخط ترسم الحدود البحرية بين لبنان و «اسرائيل».
صرح فريدريك هوف القائم بالأعمال الدبلوماسية الاميركية في سورية و لبنان، أن ادارته تدعم الوثيقة اللبنانية، ما صب الزيت على نار التوتر القائم منذ انطلاق «الربيع العربي» بين رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو و الرئيس باراك أوباما.
شيلدون أدلسون، كان قد تلقى طلباً من بنيامين نتنياهو لتمويل الجمهوريين و الحيلولة دون حصول أوباما على ولاية رئاسية ثانية. فقد حض نتنياهو مؤخراً الرجل الثامن الأغنى في الولايات المتحدة، وهو صديقه الحميم وملياردير الكازينوهات في لاس فيغاس شيلدون أدلسون، على ضخ ملايين الدولارات مباشرة في الحملات الانتخابية للجمهوريين، بمن فيهم نويت غينغريش وميت رومني. و وهذا يعني تدخلاً اسرائيلياً غير مسبوق في الحملات الرئاسية الاميركية. كل ذلك. في محاولة لمنع حصول أوباما على ولاية ثانية. إن المشكلات المرتبطة بالسيطرة على مخزونات الطاقة الضخمة المكتشفة على طول الساحل الفلسطيني واللبناني، كذلك الشواطىء القبرصية والتركية، من شأنه أن يلعب دوراً هاماً في منطقة هي الأشد تعقيداً من منطقة الخليج على المستوى السياسي.
بقلم: وليام انغدال