تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الأبناء... عالم من الصمت مع الأهل...

مجتمع
الأثنين 9-7-2012
أنيسة أبو غليون.

الصغير يكبر والذي كنا بالأمس نحاول إسكاته، نصبح اليوم نفكر في سحب الكلمات من فمه ونطرح على أنفسنا أسئلة عدة لماذا لا يطلعنا على عالمه؟ وما الشعرة التي تفصلنا عنه؟

يقول البعض: إنه علينا أن نظهر لهم الحب والحنان لنحاول كسب ثقتهم ويرى البعض الآخر أن علينا أن نراقبهم عن قرب وهناك أطروحات عدة لكن أين يكمن الحل الأمثل ؟ فالفجوة تتسع بشكل كبير.‏

تبدأ هذه المرحلة من كتمان الأسرار تحديداً في سن المراهقة وهو المقطع الذي يشكل أخطر مفترق طرق يمر منه الشاب والفتاة. وهنا تظهر قضية شائكة وهي لمن يبوح الأبناء بأسرارهم؟ ولماذا لا يبوحون بأسرارهم لأهلهم؟ فالعلاقة الفاترة بين الأبناء وأهلهم أصبحت اليوم حقيقة موجودة وهي فجوة تكبر يوماً بعد يوم لتخلف وراءها معضلة يصعب حلها والسدود تحولت مع الأيام إلى جدار يفصل عالمين متقاربين عن بعضهما فالأب يشكو من ابنه والابن يشكو من والده والفرد يشكو من الكل والكل يشكو من الفرد، فكل طرف غير راض عن الطرف الآخر فمن المسؤول؟.‏

الجميع متهمون‏

إن الفجوة الموجودة بين الآباء والأبناء تبدأ بالاتساع بشكل كبير في سن المراهقة لأن هذه المرحلة تبين أنه عمر غير مرتاح، قلق، منقسم.. فالشاب الصغير لم يعد طفلاً ولم يصل بعد إلى مرحلة النضوج وأول ما يرفضه المراهق هو أن يقرر الآخرون بدلاً عنه وهذا الشعور يسبب عنده الرفض والغضب والبعد.. والمسؤولية الكبرى تقع على الوالدين ويجب عليهما أن يسعيا إلى التقرب من المراهق دون أن يمس هذا باحترامهما له كما عليهما أن يظفرا بصداقته وثقته حتى يتعود الابن على البوح بصراحة مع أبويه وبهذا يظل الوالدان على دراية بما يواجهه المراهق فيوجهانه بالنصح والإرشاد ليكتمل واجب الآباء تجاه الأبناء،‏

ماذا يقولون؟‏

- شادي (16) عاماً تحدث إلينا قائلاً: ربما الخوف من العقاب هو السبب بعدم بوحي بأسراري لأهلي فمنذ صغري وأنا أسمع كلمات الزجر والنهي، فهذا عيب.. وهذا حرام.. وهذا ممنوع.. وذاك لا يجوز، فتأصل الخوف لدي منذ الطفولة وبأن ما أتحدث به قد يحرجني أمام الأهل فأضطر لفتح باب قلبي إلى صديقي وأخفي عن أبي وأمي ما أشعر به.‏

- ويبدو أن الفتى عدنان (17) عاماً كان منذ زمن ينتظر من يسأله: لماذا لا يبوح الأبناء بأسرارهم؟ وبكل مشاعر الغضب والحنق أجاب: أين الآباء المتفهمون؟ همهم توفير الطعام والشراب واللباس والاحتياجات الأساسية لحياتنا، أما حاجاتنا النفسية فهي آخر ما يفكرون به.. فأنا لم أسمع من أبي وأمي مرة واحدة كلمة تشعرني بالثقة بنفسي وكذلك في أغلب الحالات التي أكون فيها بأمس الحاجة إليهما.. لا أجدهما بجانبي يستمعان لمشاكلي وهمومي.‏

- وتوافقه الرأي الفتاة سهير (16) عاماً باتهام الأهل إذ تقول: إن أهلي لم يقوموا ولو لمرة واحدة بفتح باب الحوار معي وأشعر أحياناً بأنهم يحاولون التهرب من الاستماع لهمومي، وحاولت مراراً عدة أن أفاتح أمي لكنها كانت تتهرب مني.. أما الشخص الذي تبوح سهير بأسرارها له فهو دفتر مذكراتها وقالت: أسجل كل ما يخص حياتي في مذكرات يومية وهو بالنسبة إليها البئر الذي تلقي به كل أسرارها.‏

المراهقون في قفص الاتهام‏

- أبناء اليوم جيل متفتح متمرد على الواقع بكل أشكاله يهرب عندما يجد نفسه مضطراً إلى الاعتراف بخطيئته لذا ينأى بأسراره بعيداً عن أهله.. هذا ما قاله الأب خالد أرناؤوط سباهي (45) عاماً أما زوجته كاملة (37) عاماً فعلقت قائلة: أنا أم لولدين أحاورهما وأحاول أن أزيد مساحة التفاهم بيننا إلا أنني كلما اقتربت منهما ابتعدا عني وأشعر أحياناً بأنهما يعيشان في عالم آخر غير العالم الذي أعيش فيه وأراقبهما عن قرب لأعرف تفاصيل عالمهما الذي أشعر بأنه مليء بالأسرار التي لا يستطيعان البوح بها لي ولا أعرف السبب وأنا حائرة معهما.‏

- أما زاهر العبد (53) عاماً.. فيشكو من تصرفات أبنائه الذين لا يسمحون له بالاقتراب من خصوصياتهم.. إذ يقول: عندما أسمع أبنائي يتحدثون في موضوع ما وأحاول مشاركتهم فيه فإنهم إما أن يغيروه أو يتوقفوا عن الحديث وكأنني غريب عنهم ولست والدهم وعن السبب تحدث زاهر وقد بدت عليه علامات الغضب: مشكلة أبناء اليوم أنهم يظنون أنفسهم أنهم أكثر وعياً من أن يناقشهم الكبار.‏

- تقول والدة رنيم: ابنتي تبلغ من العمر 17 عاماً.. أضطر في بعض الأحيان إلى إجبارها على بعض الأمور التي تتعلق بمصلحتها لأنها لاتزال لا تدرك مدى مسؤوليتها ومصلحتها إلا أنني أسمح لرنيم بالنقاش معي ومحاولة اقناعي ولكنني وبصراحة في النهاية أفرض رأيي وأجزم أن جميع الأبناء يخفون عن أهلهم بعض الأمور الشخصية مهما كانت هناك صراحة بين الأولاد وآبائهم.. وأنا أتقبل ذلك مادام في حدود المسموح لأن فتاة اليوم تختلف عن فتاة الغد.. وعن الفتاة منذ خمسين عاماً وذلك يرجع بالطبع إلى المجتمع وتطوره في حين تعترف رنيم أن ما يخص موضوعاتها وأحاسيسها الشخصية فتقولها لصديقتها.. لا..لأمها.‏

رأي علم النفس‏

علماء النفس يؤكدون أن سبب الفجوة هو الجو الذي أصبح يعيش فيه الأبناء والآباء وهو عصر السرعة والانفتاح لذلك فإن الأبناء لا يثقون برأي الآباء ويعدون الآباء ليسوا على قدر من الوعي والمسؤولية في تحمل الأسرار وكذلك هناك من الأبناء الذي يخشى فضح أسراره خوفاً من العقاب وعدم عيش المراهق منذ الصغر في جو من المحبة والحنان يجعله يبحث عن بديل في الخارج وهذا يشكل خطراً كبيراً على مستقبله وخاصة إذا سلك طريقاً غير صحيح وكان بعيداً عن الرقابة..‏

لذلك يلجأ إلى أصدقائه لأنه يخشى الكشف لوالديه عما يصيبه ظناً منه أن سؤاله خارج عن نطاق الاحترام والأدب.. ولكي يتدارك الأهل مثل هذه الأمور يجب أن يبدؤوا بشرح الأمور إلى المراهق بطريقة مبسطة لكي لا يحصل على معلومات من الخارج ربما تكون خاطئة.‏

رأي التربية‏

إن مشكلة تربية المراهقين من المشكلات التي تؤرق الكثير من المهتمين بأمور التربية إذ إن الأولاد يبقون حتى سن معينة تحت قبضة الوالدين لكنهما كثيراً ما يسيئان استثمار هذه السيطرة ليندما بعد خروج الولد عن دائرة قبضتهما وعلى الأهل أن يدركا أن جسد أبنائهم ينمو كذلك وروحهم تنمو أيضاً لذلك يتحتم علينا أن نهتم بأرواحهم ونموها. هذا النمو الذي يبلغ أوج فورانه تكاملاً أو تسافلاً في مرحلة المراهقة لذلك على الأهل أن يتقنوا فن التعامل مع القول المأثور: (أدبوا أولادكم بغير أدبكم.. فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم).‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية