تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تســوّل الكبــار .. مهنــة أم حاجــة ؟!

مجتمع
الأربعاء 30-9-2009م
أحمد جميل الحسن

إن ما يلفت النظر بشكل كبير جداً في مدينة دمشق وأحيائها القريبة هو كثرة المتسولين من كافة الأعمار ذكوراً وإناثاً ، فلا تكاد تسير في شارع من شوارع دمشق

إلا وتفاجأ بيدٍ تمتد إليك مع ترديد عبارة متعارف عليها من المتسولين ( من مال الله ) مرفقة بالدعوات أو شرح الحالة مع الأيمان الغليظة بالله أنه أو أنها بحاجة إلى النقود كي تطعم الأولاد الجياع . وما استجد في هذا الأمر ظهور فتيات بعمر الورود وبكامل أناقتهن يتسولن مطلقات دعوات بأعذب وأرق الأصوات ، وخاصة في شهر رمضان المبارك ، وهناك فنون وخدع يستخدمها هؤلاء في التسول ، منهم أو منهن من يحمل بيده تقريراً طبيا ممهورا من طبيب أنه بحاجة إلى دواء أو عملية جراحية وتردد أن والدها ميت وتريد أن تطعم أخوتها اليتامى الصغار ، وشاب بحاجة إلى أجرة الطريق لأنه «مقطوع» وفقط يريد أن يعودإلى محافظته البعيدة ، بينما نجد أحد الشيوخ يجلس متربعاً على الأرض وعكازه بجانبه ويهذر بأن أولاده تخلوا عنه ، وليس له أحد في هذه الدنيا . أو تجد امرأة أمام مشفى التوليد تصرخ بما يشبه النواح ابنتي أنجبت في المشفى وأريد أن أنقلها إلى البيت وليس معي أجرة الطريق .‏

لكن أخطر ما في الأمر وجود متعهدين للمتسولين لهم برنامج ومحامٍٍ ٍ وأماكن خاصة بهم ووسائل نقل تقلهم إلى تلك الأماكن وجل من يتعهدونهم أو يعقدون صفقة مع ذويهم من المعوقين. يتفقون معهم على مبلغ محدد كل يوم يأخذه المعوق أو ذووه والباقي يكون مبلغاً مضاعفاً أضعاف المبلغ الذي يأخذه المعوق . لأن مثل هؤلاء يستدرون عطف الناس أكثر خاصة إذا كانت إعاقتهم واضحة كالمقعدين ومقطوعي الأيدي أو إحداها أو الرجلين أو إحداها ، يضعونهم بعربة خاصة للمعوقين ويظهرون إعاقتهم للناس ، أو يكون طفلاً صغيراً لا يتجاوز العامين تضعه المتسولة في حضنها بعد أن تسقيه منوماً لا ينتهي مفعوله إلا بعد أربع أو ست ساعات وهي المدة التي تقضيها المرأة بالتسول . قبل مدة من الزمن عملت في أحد البيوت ، كان البيت مكوناً من طابقين مساحة الطابقين تزيد عن الثلاثمئة متر ، اتفقت مع صاحب البيت الذي ما زال يتمتع بالشباب ، أن أركب له السيراميك في البيت وكانت التكلفة بين ثمن مواد وأجرتي تتجاوز المئة الف ليرة ، شاهدت في البيت عدة عربات للمعوقين سألته ما سبب وجودها ، ابتسم دون أن يجيبني لم أدرك السبب إلا عندما رأيت زوجته تقف خلف إحداها ويجلس عليها معوق وتتسول عليه وهذا المعوق يسكن في حينا والده بكامل قوته ولا يعمل منذ أكثر من أربعة عشر عاماً المدة التي عرفته فيها وشقيقه شاب بالعشرينات ولا يعمل أيضاً ومن المفارقات أن عائلة هذا المعوق إذا تشاجرت مع الجوار وما أكثر شجارها تصفهم بالشحاذين ، إن أمثال هذا الأب والأخ هم عالة على أسرهم ومجتمعهم وبلدهم وبحاجة إلى عقاب شديد حتى يكونوا عبرة لغيرهم .ثم عرفت فيما بعد أنها متعهدة معوقين . وشاهدت بعدها زوجة ابنها التي كانت آية من الجمال والرقة والأناقة تتسول أمام جامع حينا ، وأنا الذي قلت في داخل نفسي عندما شاهدتها في البيت وعرفت أن زوجها عاطلاً عن العمل ويأخذ مصروفه من والدته، يجب أن تكون هذه في قصر وليس في هذا المنزل.‏

أنا أعرف أن التسول هو عادة متوارثة عند « النَور»‏

الغجر ولكن الآن أصبحت مهنة يمتهنها الكثيرون دون رادع من أخلاق أو ضمير أو شيء من الخجل أو الكرامة‏

في رمضان المبارك لاتدري أين تهرب من هؤلاء، فهم في الازقة والأحياء وأمام المساجد بالعشرات ،أطفالاً وشيوخاً وشباباً وبنات صغيرات وصبايا ونساء متقدمات في السن، يحرجونك بسؤالهم ويضايقونك بتجمعهم حولك من كثرتهم . ويسيئون الى سمعة الوطن خاصة الذين يتواجدون في الأماكن الدينية في دمشق القديمة وعند نصب صلاح الدين الأيوبي وأمام المسجد الأموي ، والمقامات والمراقد المقدسة.‏

والطريف في الأمر أن منهم من تمادى في جشعه وطمعه فذهب الى الخارج يتسول بحجة العمرة الى الديار المقدسة وبالأسلوب نفسه الذي يستجدي به هنا يتسول به هناك سواء كانت صدقات أو زكاة.‏

لعمري إن التسول هو ابتزاز خسيس لعواطف الناس وجيوبهم ، ولايقل مرتبة عن السرقة ولكن بإسلوب إحراجي وعلني وليس بالخفية . فالمحتاج الحقيقي لايتسول ، بل يتمتع بعزة النفس ، ويتمسك أيما تمسك بكرامته هؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى:‏

« وتحسبهم أغنياء من التعفف» الذين تنهمر الدموع من عيونهم عندما تعرض عليهم الصدقة وهم الذين بأشد الحاجة إليها ، مثل هؤلاء يستحقون الصدقة والمعونة بكافة أشكالها منهم الأرامل اللواتي يربين الأيتام ، والأب المريض المقعد في الفراش ، والشيوخ والعجائز الذين لامعيل لهم . كلهم يفضلون الموت على أن يقفوا في الشوارع أو أمام المساجد . إن الحكومة تعالج مسألة المعوقين بإعادة تأهيلهم وإيجاد العمل الذي يناسبهم ، وشاهدت بأم عيني موظفين معوقين في دوائر حكومية متعددة وفي المراكز الثقافية ، أما الصبايا والنساء فهناك عشرات المهن اللواتي يمكنهن العمل بها وتتناسب مع وضعهن الجسدي والاجتماعي كالخياطة أو العمل في متجر أو التطريز في المنزل وغيرها الكثير الكثير من المهن . لكن بعضهم استسهل التسول ووجده مهنة مربحة دون عناء.‏

بقي على الجهات المختصة ردع المتسولين والبحث عن ذوي الأطفال منهم ومعاقبتهم لأنهم يربون أبناءهم على الاتكال والابتزاز ، وقد يتسبب ذلك بانحرافهم .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية