تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


طلاق في خريف العمر...

مجتمع
الأربعاء 30-9-2009م
ملك خدام

عادت نورما الى بلادها بورقة طلاق بعد خريف العمر، تاركة وراءها إشارة استفهام، جعلت البعض يسرف في تكهن الأسباب التي أفضت بها الى هذه النهاية التراجيدية،

بعد علاقة زواج دامت لأكثر من ثلاثين سنة.. أسست في الأصل على الحب والاحترام المتبادل بين شاب قدم من الشرق، وفتاة من الغرب، التقيا على مقاعد الدراسة الجامعية، واتخذا في نهايتها قرارا مستقلا بالزواج، والسفر ومن ثم الاستقرار في موطن الزوج، الذي راح يبذل قصارى جهده لتأمين مستقبل أطفاله الذين شبوا عن الطوق..‏

المشكلة أن نورما، بدأت تحن للعودة الى بلادها بعد أن أخفقت في التأقلم مع المحيط بعاداته وتقاليده وتباين الثقافات..‏

ما انعكس بادىء ذي بدء على علاقتها مع زوجها وأهله وأقاربه والمحيط..‏

وزاد من إحساسها بالغربة الشعور بالفراغ و لاسيما بعد أن كبر الأولاد ووصلوا إلى المراحل الجامعية، حيث صار لكل واحد منهم أفكاره وأصدقاؤه وشخصيته المستقلة..‏

وبدأت نورما تمهد لعودتها إلى موطنها بعد أن أخفقت في سحب زوجها إليه بالعزف على وتر حاجة الأولاد للتخصص دراسيا في الخارج..‏

وبحجة الأولاد غادرت نورما البلاد متجهة إلى موطنها.. عام... اثنان..ثلاثة... أربعة والزوج في بلد، ونورما وأولادها في آخر.. وانعكست الأية، فها هو الزوج يعيش غريبا وحيدا في بيت كان عامرا بالزوجة والأولاد..‏

يزورونه كالضيوف لشهر خلال الصيف، ومن ثم يغادرونه بغصة وتلويحة وداع، وها هو يدخل في اغترابه عنهم وغربتهم عنه عامه الخامس... وكلما طلب من نورما البقاء معه، تعللت بالأولاد، وعمل ارتبطت به لمساعدته في الانفاق على تعليم الأولاد.. وبيت اشترته مستقرا لهم هناك..ما انعكس على صحة الزوج النفسية والجسدية، وحوله إلى أرض عطشى للدفء والحنان.. لم تتوقع نورما، كما لم يتوقع الأولاد، أن هذا القابع في انتظارهم على صفيح ساخن طوال خمس سنوات ما زال في قلبه متسع للحب، فاختار كما اختاروا نسقا جديدا لحياته مع شريكة أخرى من موطنه..‏

وفي الوقت الذي رأى فيه الأخرون هذا التصرف حق له في الشرع والقانون.. رأت نورما والأولاد فيه تعسفا وأنانية وبدأت بينهم السجال والحرب.. والسؤال:‏

هل كانت نورما وأولادها وزوجها يصلون إلى هذه النتيجة لو فكر أحدهم بماله وما عليه؟!..‏

حكاية أثرت في كثيرا، لأني أعرف كل أطرافها، ولم أستطع حتى تقدير من المخطىء فيها، ومن هو على صواب، فاخترت أن اتخذ منهم موقف الحياد، وأسأل الباحثة الاجتماعية نسرين دواي عن هذا الطلاق الذي تم في خريف العمر.. حيث أجابت:‏

هو قرار مؤجل، وليس لمصلحة طرف من الأطراف المتنابذة في هذه القضية.. فالأم من جهة تبحث عن أفقها بعيدا عن زوجها وأسرتها، وكذلك الأولاد الذين أصبحوا كل في فلك يسبحون، ناهيك عن الأب الذي اختار أفقا جديدا لحياته مع شريكة أخرى بعد أن انفض من حوله أولاد وزوجة والمفارقة أن يأتي هذا القرار بعد خريف العمر حيث ظن الطرفان(الزوجة والزوج) أنهما قد غرقا في سديم وعدم، رغم أن نواة الأسرة (الأب) لا تزال قائمة ويفترض أن يبقى متمحورا حولها الآخرون..‏

ليس بحكم الحاجة المادية فقط، وانما الروحية أيضا، إذ يظن البعض خطأ أن تأجيل قرار الطلاق الى ما بعد خريف العمر(حيث يكون قد كبر الأولاد وتزوج بعضهم) قرارا صائبا ورصينا...‏

وفي حقيقة الأمر، هو ردة فعل لا بد أن تتشظى آثارها فيما بعد مخلفة ندبة نفسية عند كل طرف فالأولاد مثلا، قد يتجهون في هذه الحالة، إلى تكرار مأساة والديهما، بالارتباط من خارج موطنهم الأصلي، ليعيشوا معاناة مزدوجة من الغربة والاغتراب بسبب اختلاف الدين وتباين الثقافات والتقاليد والأعراف.. صراحة أنا وجدت في قول الباحثة هنا ما حرضني على البحث عن حالات أخرى من فقدان الارتباط بين الآباء والأمهات من جنسيات مختلفة... فوجدت في حالة ثانية ترجمة فعلية لما ذهبت إليه الباحثة، حيث انفصلت الابنة بعد أكثر من عشرين عاما عن والدتها في المغترب، لتزور والدها في موطنه وتفكر بالاستقرار فيه مع أشقائها من أم أخرى في حين ظل الأب في الحالة الثالثة، مستقرا في موطن زوجته مع أولاده الثلاثة، في حين بترت علاقته مع أهله وموطنه تقريبا بشكل كامل، وصار بحكم «المغتربين»..‏

وقد ذهب المرشد الاجتماعي معروف البحصاص إلى تشبيه آلية هذه العلاقة بلعبة «شد الحبل» الفائز فيها خسران، لأنه لن ينهض إلا على سقوط الآخرين، والمسألة تبقى مفتوحة في النهاية للزمن، فمن يدري ربما كان حديثنا الآتي عن طلاق في شتاء العمر.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية