تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عـــلم جمـــــال الســـينما

كتب
الأربعاء 30-9-2009م
السينما من حيث كونها فناً جديداً ومختلفاً عن كل الفنون الأخرى رغم دمجها فيها مظاهر خاصة تعود لهذا الفن أوذاك- أثارت مشكلات عديدة وطرحت مسألة جمالية تتواءم مع استقلالها الذاتي،

ومنذ العصور الأولى، يوم تبين أن العرض الجوال المقدم في الأسواق الموسمية الشعبية بمقدوره أن يروي قصة، وحتى أن يلمح أو يشير إلى بعض الأفكار فإن أول ماتم الحرص عليه كان إقامة وصاية على مكتسباته، وتعيين مبادئ أولية للعرض، بحكم عدم وجود قواعد له مرساة ومتفق عليها، وقد كان ذلك من عمل نفر من تقنيين مراعين لمتطلبات مهنتهم، أما الهاجس الجمالي فلم يأت إلابعد ذلك بكثير.‏

بكل الأحوال، فمنذ 1911 كان الشاعر ريشيوكو كانودوا وهوصديق بيكاسو وأبو للييز الأول في التساؤل حول ماسيكونه المصير المقدر للسينما وحول إمكانياتها وخص السينما من حينها ومنذئذ باسم «الفن السابع» فقد رأى فيها أداة مازالت بالقوة (لم تتجسد واقعاً) لغنائية جديدة فساهمت رؤاه بحدسها العبقري الملهم في جعل بعض المثقفين يأخذون السينما في اعتبارهم ومنهم بالضبط بليز ساندرار. وبعد ذلك بوقت قصير لوي ديللوك وكوليت، ولوي أراغون الذي كان أيامها في مطلع شبابه، ديللوك وقبل أن يصبح أحد زعماء المدرسة الفرنسية الطليعيين في العشرينيات كان الوحيد في وعيه منذ 1918 للضرورة الجمالية وأنها لابد منها ومن دون أن يكون ديللوك منظراً بالمعنى المتعارف عليه للكلمة فإنه كان الأول في نبش التربة وإعدادها واسترعاء الانتباه إلى وسائل التعبير السينمائي الأساسية، والمكتشفة هنا وهناك.‏

غير أن المنظر الأول للسينما كان وبلا منازع جان ايبشتاين فهو الذي أرسى بمقالاته المنشورة في 1920 و1922 الأسس الأولى للتعبير البصري القائمة على الوسائل المعتبرة بحق أساسية والمقصود تركيب الفيلم واللقطة المجسمة أي: الإيقاع والزمن ولم يكن القصد من ذلك غير وضع قواعد نمو أولية للعمل من دون بلوغ ذلك أن يكون اسلوباً أو يكاد بعسر أن يكون اسلوباً، كانت السينما في خضم تطورها والعاملون في ميدانها قد اكتسبوا لتوهم معرفة كيفية استخدامها، الجمالية في السينما على الأقل في ورودها لا في لمحات ومختصرات عارضة، وإنما على أساس نظريات منهجية أنضجها التأمل، كانت متباينة متنافرة وماحدث هو أنها رأت النور في روسيا السوفييتية عقب أعمال ليوكوليشوف وبودروفكين وايزنشتاين ومازالت كتابات هذا الأخير ايزنشتاين وحتى ساعتنا هذه تعد من بين الدراسات الأكثر عمقاً ونفاذ بصيرة التي استثارها في الأفلام «النظرية العامة» للجمالية لايجدها المرء عملياً إلا في كتابات اثنين من المنظرين، هما: بيلا بالاتس ورودلف آرنهايم فإن كلاً منهما وبالاستناد إلى أعمال سابقهماحاولا وضع تعريف وقوننة العناصر المولدة الخصبة للتعبير البصري، بطريقة هي في الوقت ذاته منهجية ومتماسكة، غير أن أعمالهما تجاوزها الزمن اليوم للسبب البسيط التالي: وهو أن نظامهما أقيم لا على مبادىء الأساس في التعبير البصري وإنما علىبعض الأنماط التي رغم أساسيتها تظل قاصرة ولاتملك أن تزعم إرجاع كامل السينما إلى تلك الأنماط وحدها.‏

ويمكن أن نؤكد أن جميع النظريات الجمالية كافة المعالجات الموجودة ليومنا اقتصرت على مبادىء «تركيب الفيلم» جاعلة منها منهجاً لابد منه لحد التطرف في ذلك، وجاعلة من الدراسة الممكنة للأسلوب أساساً لجمالية عامة «لئن صح تماماً» أن تركيب الفيلم هوأحد العناصر الأساسية في التعبير السينمائي فواقع الحال أنه ليس الوحيد وهو فضلاً عن ذلك ليس أكثر من شكل من عنصر لغة وبنية وليس شرط لزوم لهذه اللغة، فالسينما تعبير في الزمان والمكان، فهي بحكم ذلك على صلة قربى مع الفنون التي سبقتها. هذا لايعني أنها لاتملك أن تكون لها قيمتها الخاصة من دون تلك الفنون، فالسينما لها وسائلها الخاصة بها وبالتالي تتميز بنوعية محددة تضمن لها استقلالها الذاتي..‏

أندريه مالرو في مؤلفه علم نفس السينما الذي استثار مضمونه كلاماً كثيراً حوله لأنه طرح بلغة واضحة أموراً لايعرفها إلا المتخصصون وحدهم وصل في خاتمة عمله ذاك إلى القول «ومن ناحية أخرى فالسينما أصلاً هي صناعة» فالسينما لو لم تكن صناعة فإنها ماكانت ليتوافر لها أن تكون فناً لأنها لم تكن ليقدر بها أن تبقى حية..‏

قصر فيرساي قضى بناؤه الاستعانة بعدد من البنائين لكن هذا لايقلل من أنه على الرغم من ذلك صنيع هردوان مانسار وحده وحصراً فالصورة السينمائية تتسم بأنها صورة متحركة لامجال صامتة في السينما، إنما فقط أشياء ساكنة عن الحركة وسكونها نفسه ناتج عن تعاقب الصور التي يقدمها هذا التعاقب للناظر، هذه الحركية التي للصورة لامجال بالطبع لأن تدرك حسيباً باعتبارها تعاقباً وإنما يحسها المشاهد في مفاعيلها فالفن لايلحظ إلا بصفته علاقة مابين ذهن مبدع وفكر متلق يكيف قالب مشاعره ومجال خياله حول شكل اقترحه الفنان وانطلاقاً من هذا الشكل فكل مادة هي مطروحة بمثابة ضرورة مابين معطى مدرك حسياً وبين طرف يدركه حسياً تضمن الكتاب عناوين مهمة، ففي الجزء الأول تحدث عن (السينما والإبداع ، والسينما واللغة، الكلمة والصورة، الصورة السينمائية) وفي الجزء الثاني كان عنوانه «المدخل إلى علم جمال وعلم نفس السينما، وتضمن تفاصيل عن بدايات تركيب الفيلم (المنشأ والاكتشاف) والإيقاع السينمائي..‏

الكتاب تأليف: جان ميثري، ترجمة عبد الله عويشق، صادرعن وزارة الثقافة مؤسسة السينما في 350 صفحة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية