جرب خلاله الأخير مختلف صنوف وطرق ووسائل التعذيب داخل سجونه ومعتقلاته لثنيهم عن معركتهم تلك التي أكدوا فيها أن إرادة الحياة والحق أقوى من إرادة الاحتلال مهما بلغ طغيانه وجبروته واستبداده .
ورغم أن هذا الانجاز الكبير لم ينل حقه من الاهتمام السياسي والإعلامي وحتى الشعبي داخل الأراضي المحتلة وخارجها انطلاقا من انه انتصار فلسطيني عربي يمثل كما أسلفنا انتصار إرادة الحياة على إرادة المحتل في زمن الهزائم والنكسات والتصدعات التي تضرب من جهة المشهد الفلسطيني المجزأ والمقسم والتي تضرب من جهة اخرى المشهد العربي المنهك والمتآكل ، إلا أن ذلك لايعني أن نمعن في بخسه حقه بل ان نسعى الى مقاربته كمنجز حقيقي في تاريخ الصراع العربي الفلسطيني ودراسة مقدماته ونتائجه بشكل معمق من اجل استخلاص الدروس والعبر التي تخدم القضية الفلسطينية وبالتالي البناء على هذا المنجز للنهوض مجددا ومواصلة النضال ضد المحتل الاسرائيلي وتحقيق انتصارات اكبر وأوسع .
لقد استطاع الأسرى الفلسطينيون البالغ عددهم 4700 أسير أن ينتصروا في معركتهم التي عنونوها بـ ( النصر او الموت )، رغم كل الإجراءات الاحتلالية التعسفية التي حاولت ثنيهم عن قرارهم والعودة بهم الى ذل الطغيان والعبودية والتعسف، وبعيدا عن الغوص في فلسفة هذه الخطوة وأبعادها التي اجتمع عليها عموم الأسرى الفلسطينيين، فإن الأمر يعد من مختلف زواياه وأبعاده وأوجهه رسالة واضحة الى سلطات الاحتلال تستهل مقدمتها بتأكيد أن الظلم والاستبداد مهما طال فهو زائل لا محالة، حتى لو تجاوز ذلك الطغيان كل الحدود والمعاني فإنه لن يخيف صاحب الحق والأرض والتاريخ حتى لو جرده من حقه وأرضه وحريته، ورغم أن تلك الرسالة موجهة بشكل أساسي الى سلطات الاحتلال إلا انه يمكن لأي متابع للشأن الفلسطيني أن يقرأ ما بين السطور وخلف الكلمات التي حملت في معظمها دعوات ومطالبات للشعب الفلسطيني وقياداته بالتسامي فوق التفاصيل الصغيرة وإعادة لم الشمل الفلسطيني والخروج من كل تلك الدوائر الضيقة التي وجد الفلسطينيون أنفسهم فيها نتيجة تلك الصراعات والانقسامات والتحالفات السياسية التي قسمتهم وشتتهم وشردتهم أكثر فأكثر وأحاطتهم بجدران الولاءات والانتماءات التي قيدت الإرادة الفلسطينية وسجنت الفعل الفلسطيني خلف قضبان الانقسام والوهم خلال مراحل عديدة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي .
وانطلاقا من أهمية المرحلة وحساسيتها فإن إعادة صياغة الواقع الفلسطيني المفكك تبدو ضرورة وحاجة استراتيجية تستوجب مواكبة الأحداث والتطورات الدولية التي تحرق المراحل لإنتاج نظام عالمي جديد، تذوب فيه الكثير من الدول الضعيفة والمشتتة والتابعة، ما يعني غرق مجمل القضايا والحقوق العربية الفلسطينية في بحر تلك المتغيرات ، وهذا ما يضع الفلسطينيين في مواجهة استحقاق توحيد الصف الفلسطيني ، انطلاقا من معركة الأسرى التي وصفت بانتفاضة فلسطينية من خلف القضبان والتي تشكل محورا جامعا لجميع الفلسطينيين وبالتالي نقطة البدء لإعادة الروح الى الفعل الفلسطيني والانطلاق الى انتفاضة فلسطينية كبرى تعيد الأرض والحقوق للشعب الفلسطيني بعيدا عن كل الشعارات والخطابات التي لم تزد الفعل الفلسطيني إلا ضعفا وتفككا ووهنا، وهذا ما بدا واضحا في ردود الفعل الفلسطينية الرسمية او الفصائلية على انتفاضة الأسرى حيث سيطرت عليها لغة التهديد والوعيد الكلامي واستجداء النجدة من المجتمع الدولي المنشغل أكثره بإعادة رسم وصياغة المشهد الدولي على قاعدة المصالح والطموحات الاستعمارية بدلا من تحقيق انجاز على الأرض يخدم المصالحة الفلسطينية، حيث اكتفت السلطة الفلسطينية بتوجيه رسالة إلى الرئيس الدوري لمجلس الأمن تضمنت الإشارة إلى مصير بعض الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية والذين تم نقلهم إلى المستشفى في حالة خطرة كونهم اضربوا عن الطعام لأكثر من شهرين .
إن اللافت للانتباه في كل ما يحصل في السجون الإسرائيلية هو ذلك الصمت المطبق الذي يخيم من جهة على الحكام العرب المنهمكين بحياكة وتنفيذ المؤامرات ضد سورية ، والذي يخيم من جهة أخرى على المجتمع الدولي تجاه تلك الممارسات الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين والتي ترقى الى مستوى جرائم الحرب وخاصة تلك الدول التي تدعي الدفاع عن الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان والتي باتت تعرف بدول الاستعمار الجديد التي تسعى لإعادة احتلال العالم العربي بغية تقسيمه مرة أخرى والسيطرة على ثرواته وخيراته والاهم من ذلك السيطرة على قراره وسيادته، الأمر الذي يشجع الاحتلال على مواصلة إرهابه وإجرامه بحق الشعب الفلسطيني .
يذكر أن الأسرى الفلسطينيين وافقوا على إنهاء إضرابهم المفتوح الذي خاضه بعضهم لأكثر من شهرين ونصف، ووقعوا اتفاقاً مع مصلحة السجون الإسرائيلية في سجن عسقلان، يقضي بإخراج جميع الأسرى المعزولين من العزل الانفرادي، وحل ملف المعتقلين إدارياً إما من خلال تقديم لوائح اتهام بحقهم أو إطلاق سراحهم مع انتهاء حكمهم الإداري، فضلاً عن السماح لأهالي قطاع غزة بزيارة أبنائهم في السجون، وإنهاء تطبيق ما يسمى ( قانون شاليط ) الذي فرض بعد أسر المقاومة الفلسطينية الجندي جلعاد شاليط، وتحسين وضع الأسرى في سجون المحتل، وإعادة الحياة هناك إلى ما كانت عليه قبل العام 2000.
وفي هذا الشأن يشار إلى أن الأسرى الفلسطينيين شرعوا في 17 من نيسان الماضي بالإضراب المفتوح عن الطعام، ويعد هذا الإضراب الأضخم من نوعه في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة.
في هذا السياق أيضا فقد ارتفع عدد عمداء الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي إلى 63 أسيراً بعد أن انضم أربعة أسرى جدد إلى قائمة الأسرى الذين مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً بشكل متواصل في سجون الاحتلال.