وباعتباره تعبيراً عن وقائع وتطورات سابغة وانفجاراً في اللحظة المناسبة حينما تنضج الظروف الموضوعية والذاتية للحدث نفسه، وهذه القاعدة تمنعنا من الاستطالات المفاجئة والتأويلات الشاردة وتردعنا أن نفسر مايجري علي أنه حكاية غرائبية تكمل ماهو مستقر من الأساطير وقصص الشاطر حسن والغول العجوز وسواها.
نحن هنا أمام حدث تاريخي سياسي في سورية له أصول ومقدمات واشتغلت عليه قوى مضادة وبنت حيثياته مجموعات واتجاهات منذ فترة طويلة والأمر المنطقي الذي تفترضه وجهة النظر هذه يتمثل في أن مايجري في سورية وعلى سورية هو صراع وإدارات واستراتيجيات، وحينما ينتمي كل مايجري على أرض الواقع لهذا الصراع سوف نتنفس عميقاً وسوف نرتاح وقد خرجنا من ورطة المفاجآت أو التفسيرات الذاتية التي ينجزها أشخاص هنا وهناك ولاتنتهي أبداً ، نريد الوصول إلى نقطة حساسة بطريقة الاستخراج والاستنتاج وبمنطق المقارنات والمقاربات مفاد هذه النتيجة الحساسة يؤكد أن الصراع القائم في سورية هو وجودي وتاريخي ومصيري .
ومعنى الوجودية فيه كونه يقع بين كتلتين بشريتين وسياسيتين يصطف في موقعها الأول التاريخ العربي والقيم الحضارية وذاكرة الأمة والحقائق الناظمة المحيطة بوجود الأمة أو فنائها والوطن السوري أعطيناه المدى الجغرافي أم اختصرناه هو البؤرة الحية والقوة الأساس في مجموع عناصر هذه الكتلة المتبلورة والمتجهة باستمرار إلى الأعمق والأفضل، وفي الموقع المضاد تتوضع الكتلة المعادية وفيها عناوين كثيرة وقوى سياسية أكثر ولايقلل من خطرها وتماسكها تفاصيل الحضور الزمني أوتلوينات الموقف الجغرافي والإثني، وبصورة أساسية لافرق بالأصل بين دولة استعمارية كبرى مثل أميركا وقوىً استعمارية كلاسيكية كبرى مثل فرنسا وبريطانيا وتركيا وأنظمة عربية مصممة لغرض واحد هواستنزاف الوجود العربي من جهة أخرى ويتطلب هذا التنوع المحموم من عناصر الكتلة المعادية أن يتم تصنيع مخالب وأنياب زرق محقونة بالحقد ولهاشهية مفتوحة على التدمير والقتل وهنا تظهر أهمية القوى الدينية المتطرفة والمعادية للإسلام والمختطفة لحقائقه مثل تنظيم القاعدة والوهابية والإخوان المسلمين والموجات الأخرى التي تتلاطم في محيط هذه الكتلة الهائلة.
والرؤية الثاقبة هي التي تلتقط مكونات الصراع ومواقع الأطراف فيه والابتعاد عن الانجراف نحو التكتيكات السياسية المتخبطة واللحظات المموهة التي تنتج السلام والوئام ظاهرياً وتخزن الأحقاد والبارود ضمنياً ،إن تحديد جوهر الصراع بقواه وتلويناته والأدوار المنوطة بكل طرف فيه هو الذي يعطينا المدى الآن لكي نعود إلى الأصل ونعيد تأويلاتنا أيضاً إلى الأصل حتى لايأتي من يقول أيها السوريون كنتم بالأمس تعمقون سياساتكم ذهاباً وإياباً مع دول مثل تركيا أردوغان وقطر حمد والرياض بندر وسعود الفيصل، ولايوجد مايعطي أهمية لمثل هذا الطرح فسورية تشتغل وتتفاعل بمافيها وبمايعني استجرار العواصم الأخرى إلى الخط العام حيث مصلحة العرب والمسلمين وهي تعلم في السياق نفسه أن هناك إشكالات وشبهات محيرة ومدمرة عند الآخرين ولكن السياسات الحية تتوطد عادة عبر خط الانطلاق من الواقع الممكن إلى المستوى المأمول والطريق الواصل بينهما محفوف بالمخاطر ومتلبد بالمفاجآت .
وهكذا دنت اللحظة التي ظهرت فيها تركيا والسعودية وقطر على الحقيقة وظهرت سورية أيضاً على الحقيقة وماعاد الاحتكام في الظرف التاريخي الراهن لوقائع حدث في الماضي والاندفاعات أصلها أخلاقي لأن هذا الأصل عربي وحضاري وإسلامي والحجة هنا لسورية وليس عليها والحجة هنا بكل ثقلها على هذه الأنظمة المحتالة وليس لها، دعونا ولو لمرة واحدة في تاريخنا نعرف حقائق مايجري وننسب السلوك إلى قواه الحقيقية ونغلب العام على الخاص والثابت على المرحلي وتكون نظرتنا دائماً إلى الأيام القادمة والتي لابد من أن تأتي محملة بعناصر التجربة المريرة في سورية وبالخبرة الكثيفة المتحصلة من الثمن المرتفع والتضحيات الجسام.
وهنا ندخل في باب كان مغلقاً وآن الأوان لفتحه حتى لايزاود علينا أحد فالأصيل يمشي على خطا أصالته والصادق يصدق الآخرين والثابت تهزه الريح العاصفة ولكنه لايقتلع من جذوره ، إن أطراف الكتلة الأخرى الغربية والعربية هي التي كانت توطد سياساتها على أساس أن تتحول سورية المعاصرة كما سورية التاريخية إلى مجرد شجرة هرمة بلاجذور حتى إذا جاءت أي ريح خفيفة اقتلعت هذه الشجرة وطوحت بها، هكذا كانوا يمكرون وهكذا كان إحساسنا الفطري والمتبلور بهذا القلق ولربما بهذا الخطر القادم مع أنظمة الخليج وتركيا ونراهن الآن وفي هذه اللحظة على أنه لايوجد سوري عربي واحد دخلت إليه ومضة من فرح أو أمان خلال مسيرة العلاقات مع تركيا وقطر والسعودية ، كنانأمل أن يبدلوا من حقائقهم ويعودوا إلى رشدهم وأن يقتربوا ولونسبياً من أفضليات الروابط الحضارية والعلاقات العربية المصيرية وأن يكتشفوا بالتدريج أن سورية كانت تنقذهم من الغرق في المياه الآسنة ولم تكن تسبغ عليهم المشروعية والصواب ومع ذلك نقول علينا في سورية أن نتحمل مسؤولياتنا ونعيد تقويم أدائنا ونأخذ الدروس والعبر ونحن على يقين وثبات بأننا تصرفنا بمافينا من قيم وذهبنا نحو المصالح المشتركة وسعينا مافي وسعنا أن يكون لقطر والسعودية نصيب من الصفات العربية والضرورات المعاصرة وماغابت عنا قط طبيعة هذه الأنظمة كونها خادمة وموظفة في امبراطورية الاستعمار الكبرى لكن الذي فوجئنا به كما فوجئ العالم كله هذا الكم الهائل من غرائز الحقد وسفك الدم الحرام في سورية.