من مصدر واحد هدفه قلب الحقائق واعتبار الحكومة السورية الطرف السلبي في الأزمة السورية، وتنصيع صورة المسلحون والإرهابيون، ولكن الحقائق كانت دائماً تتكشف لتؤكد أن ما يقوم به هؤلاء هو إجرام وتدمير بحق الشعب السوري، يدعمهم دولياً دول الاستعمار وتمويلهم قطر والسعودية لتخدم أولاً وأخيراً مصالح الكيان الإسرائيل.
حيث كشف رولان دوما وزير الخارجية الفرنسي الأسبق عن "وجود مخطط غربي وضعته عدة دول غربية وعلى رأسها بريطانيا وبمشاركة فرنسية لإسقاط الحكومة السورية قبل أن تبدأ الأزمة في سورية".
وأوضح دوما في حديث خاص لمراسلة سانا في باريس أنه خلال وجوده في بريطانيا قبل نشوب الأزمة في سورية دعي إلى سهرة وسأله شخصان أحدهما انكليزي والآخر فرنسي "أن كان يريد أن يشارك في هذا النوع من العمليات حيث كان يحضر لهجوم على سورية من أجل الإطاحة بالنظام فيها".
وقال دوما : إنه رفض هذه المشاركة ولكن "الأحداث التي تشهدها سورية أثبتت أن الأمر كان جادا" وخصوصا إذا قارنا بين اندلاع الأعمال العدوانية وما قيل في تلك الأمسية.
السياسة الغربية سياسة حرب
وعبر دوما عن دهشته من موقف الحكومة الفرنسية مشيرا إلى أن الطريق الذي اختارته في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أو برئاسة فرانسوا هولاند اليوم "ليس الطريق الصحيح الذي يمكن أن يؤدي إلى تحقيق السلام في سورية" ومن أجل ذلك أدافع عن فكرة أنه يجب العمل بطريقة أخرى.
ورداً على سؤال حول ما الذي يريده الغرب من خلال إسقاط الدولة السورية قال دوما: "لدي شعور بأن هناك سياقا دوليا جديدا تشكل حول الحالة السورية التي ليست إلا تتمة لسياسة تم اتباعها منذ عدة سنوات بمواجهة العالم العربي" ولا ننسى أنه كانت هناك الحالة العراقية والليبية كما جرى العديد من الأحداث الأخرى والآن هناك الحالة الإيرانية مؤكدا أن "السياسة الغربية في هذه الملفات ليست سياسة سلام ولكنها سياسة حرب" وأنا ضد الحرب بل مع البحث عن الطريق الذي يقود إلى السلام مهما كانت الظروف.
وحول رؤيته لما يسمى "المعارضة السورية" قال دوما إن هذه المعارضة متعددة الأوجه حيث نراهم بانتظام على شاشة التلفزيون الفرنسي الذي يظهر المسلحين من طرف واحد بينما هناك دول مثل قطر والسعودية ترسل الأموال إضافة إلى دول أخرى تشارك في القتال الذي تشهده سورية وبالمقابل توجد الحكومة الشرعية التي تقاوم كل ذلك بمساعدة حلفائها.
إرسال الأسلحة سيعرقل حل الأزمة
واعتبر دوما أن "الحل السلمي لا يكون بترك الناس يتقاتلون" لأن ذلك ليس طريقا للسلام وإنما طريق للحرب موضحاً أن "إرسال الأسلحة لن يسمح أبدا بحل المشاكل في سورية" بل يجب محاولة تحضير النفوس من أجل البحث عن حل آخر.
وتابع دوما إن الحكومة الشرعية في سورية تستعيد المناطق التي استولى عليها "المسلحون" وهذه إشارة جيدة وألاحظ أنه تم اقتراح مؤتمر دولي كانت فرنسا خلال أشهر- خلافا لعقيدتها السياسية التقليدية -تعارضه ولكنها انتهت لتقر على لسان وزير دفاعها بأنه يجب أن يعقد هذا المؤتمر الدولي بأسرع وقت ممكن إضافة إلى الموقف من مشاركة إيران فيه وبذلك يظهر تغير الموقف الفرنسي.
وأكد دوما أن المؤتمر الدولي المزمع عقده حول سورية بدأ يأخذ شكلا وأنه يجب تحديد من الذين سيشاركون فيه مشدداً على أن "الشيء الذي له أهمية كبيرة بالطبع هو الاتفاق الذي حصل بين روسيا وأمريكا حول هذا المؤتمر وعقده في أقرب وقت ممكن" لأن هذه هي السياسة الوحيدة الممكنة إذا كنا نريد السلام فعلاً.
وفيما يخص توقعاته حول نتائج المؤتمر أوضح دوما أنه حتى الآن تم تحديد ملامح هذا المؤتمر ومكان عقده ولذلك يجب عدم تبني آراء مسبقة ويجب القول بأننا سنجتمع وسنتناقش بأسرع وقت ممكن لتنطلق بعدها ورش العمل.
وحول اجتماع الدول الثماني الكبرى في ايرلندا ومناقشة الوضع في سورية قال دوما إن الاجتماع ليس الإطار والمكان المثالي لمثل هذا النقاش لأن هناك الكثير من الدول التي ليست ضمن الدول الثماني ويخصها موضوع سورية ولكن المهم أن هذه الدول المهتمة بما يحصل في سورية والشعوب القلقة من تلك الحالة قررت بأنه يجب عقد المؤتمر ما يشكل خطوة إلى الأمام وهؤلاء الذين سيقومون بتلك الخطوة هم الرابحون. وفيما يخص قيام فرنسا بإرسال أسلحة متطورة إلى المجموعات الإرهابية في سورية أكد دوما أنه "إذا كنا نريد المضي نحو حل سلمي فإن هذا يتناقض مع إرسال الأسلحة لأن الأسلحة صنعت من أجل الحرب" لافتا إلى أنه "أمر مؤسف للغاية في الحالة السورية أن نلاحظ عندما يكون هناك من يريدون إرسال الأسلحة إلى أحد المعسكرين فإن المعسكر الآخر يتحرك من جهته ويرسل هو أيضا الأسلحة وهذا ما حصل عندما رفع الحظر عن الأسلحة من قبل الاتحاد الأوروبي".
وتابع: إنه كانت هناك مناقشات حول هذا الموضوع لأن "الغرب قلق حول الجهة التي سيتم تزويدها بالسلاح وذلك في ظل وجود المثال الليبي حيث اختفت الأسلحة" التي تم إرسالها معتبرا أن "إرسال أسلحة سيزيد النزاع وسيصعب حله أكثر" وهذا نهج سيىء بأننا نريد حل المشكلة بإرسال السلاح.
الحل عبر مشاركة جميع البلدان بالمؤتمر دولي
وفيما يخص توافق تسليح المجموعات الإرهابية مع القانون الدولي قال دوما إن "القوانين الدولية لا تصلح إلا من أجل تحقيق السلام وعندما يكون السلام قد نضج" ولكن عندما يكون هناك قتال وتقديم سلاح فهذا ليس الذي يجب اتباعه وليس هناك أمل بإنهاء الأزمة في سورية سوى عبر مشاركة جميع البلدان في مؤتمر دولي لهذا الغرض.
وأوضح أن "الادعاءات حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية خطرة جدا" مضيفا إنها "تذكر بالنقاش الذي دار حول العراق" حيث قيل أن العراق كان لديه سلاح كيميائي ورأينا وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق كولن باول عندما أتى إلى الأمم المتحدة مع قوارير صغيرة قائلا "ها هو السلاح الكيميائي العراقي" وبالنتيجة لم نجد شيئاً وألاحظ من خلال عملي كمحام منذ فترة طويلة عندما تكون هناك أدلة في ملف فانها ترسل عن طريق من يعملون في المحكمة أما هنا حيث حمل لنا الصحفيون قوارير حصلوا عليها من سورية فالأمر مختلف وهم ليسوا أناساً موثوقين.
تسليح فرنسا للمعارضة سيوسع رقعة النزاع
وقال دوما إن "هناك نصوصا دولية تنص على تدمير الأسلحة الكيميائية وذلك الموضوع مثير للقلق" والأفضل بأن نسمح للسلطات الدولية مثل الأمم المتحدة أن ترسل خبراء من جنسيات أخرى والتي سيكون لها ثقلها في الجدل للبحث في هذا الموضوع.
وحول تعامل فرنسا بازدواجية بما يخص الإرهابيين حيث تقاتلهم في مالي وتساندهم وتمولهم في سورية قال دوما إن "فرنسا ستسلح المعارضين" ولكن ما الذي سيحصل بهذا السلاح ما معناه أننا لسنا متأكدين حتى من حجج المسلحين ولا نعرف أبدا أن كان هذا سيعود ضد فرنسا ويمكن غداً أن تحصل هجمات في شوارع باريس".. هذه مجازفة كبيرة موضحاً أنه عندما ندخل نزاعاً نعرف أنه يمكن أن يمتد لهذا أقول "إن الوضع يزداد خطورة في سورية وكذلك في المنطقة" حيث نرى جيداً أنه قد حصلت بعض الأمور في لبنان رغم أنه لا علاقة له بذلك ولكن وفقاً لطبيعة الأشياء ومن خلال البوابة الطبيعية فإن النزاعات تمتد وهذا ما يجب تجنبه لأن التصعيد في النزاع يؤدي إلى امتداد النزاع وبالتالي إلى نزاع أكبر.
واعتبر دوما أن "العلاقات التقليدية بين سورية وفرنسا منذ الأزل كانت جيدة وخاصة على الصعيد الثقافي" ولكن كل هذا تهدم مع الوقت وأصبحنا اليوم أعداء وهذا غير منطقي و"حان الوقت لإصلاح كل شيء" مشدداً على أنه في منطقة الشرق الأوسط "هناك رغبة في تدمير الأنظمة العربية القوية" ومثال ذلك ما جرى في العراق وليبيا واليوم سورية وخاصة أن لسورية علاقات خاصة مع روسيا.
لإسرائيل دور فيما يجري بسورية
وأضاف دوما "إن لإسرائيل دوراً فيما يجري في سورية" مشيراً إلى ما تحدث به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن "إسرائيل إذا لم تتمكن من الاتفاق فإنها ستهاجم وتدمر الأنظمة التي تقف ضدها وهذا ما يحصل بالضبط مع سورية".
وحول إمكانية تغيير فرنسا والدول الغربية من مواقفها بالنسبة للملف السوري قال دوما: "إن هذا شيء ممكن" والموقف الفرنسي تطور مؤخراً وهذا مؤشر جيد وتطور في الاتجاه الصحيح.
حملة دعائية ضخمة لتشويه الحقائق
وأكد أن "هناك حملة دعائية ضخمة تجاه ما يجري في سورية" حيث نرى الأخبار في الصحافة المكتوبة وعلى التلفزيون وعلى الإذاعة تأتي من مصدر واحد كما نرى نفس الصور من مصدر واحد ولذلك فإن "الشعب الفرنسي بكل أطيافه الذي يرى تلك الصور كل يوم ينتهي به المطاف بأن يصبح لديه انطباع رهيب بأن هناك أشراراً يتمثلون بالحكومة السورية التي تقتل الشعب وفق ادعاءاتهم ومن جهة أخرى هناك الصالحون والجيدون وهم "المسلحون" وهكذا يقسمون العالم ويتوصلون للقول إنه يجب طرد الأشرار والإبقاء على الجيدين وتدريجياً هكذا يشكلون رأيهم ولكن في يوم ما ستظهر الحقيقة" معتبراً أنه لا بد من تصحيح العقول وبذلك سيتضح للذين يساندون بعض السياسات يوماً أنهم أخطؤوا وعندها نضع نهاية لها.
وختم دوما بالقول: "إن سورية بلد عظيم والشعب السوري عظيم وسيخرج من تلك المحنة ولكن يجب أن نأمل ألا يخرج منها متأخراً جدا ونتمنى ألا تتكلف سورية كثيراً من الأرواح والكثير من الأضرار".