قد يكون عشق الألمان للطبيعة عشقاً متجذراً في الثقافة الشعبية للبلاد، لكن ما بدا واضحاً في السنوات الأخيرة أن هذا الاهتمام في تزايد مستمر، وكأن الألمان يودون «الهروب» إلى أجواء الطبيعة الشاعرية. وهذا ما يفسر أيضاً استعدادهم لدفع مبالغ إضافية للاعتناء بحدائقهم وشرفات منازلهم. ووفق بعض الإحصائيات قامت كل عائلة ألمانية بدفع 16 يورو شهرياً لشراء الأزهار ولوازم الحديقة، علماً أن هناك العديد من تلك العائلات لا تملك حديقة خاصة بها.
وحسب زيلكه بورغشتيت، مديرة معهد سينوس للأبحاث الاجتماعية، فإن هذا العشق للحدائق والزرع له أسباب عدة، من بينها أن الألمان يبحثون عن الأحاسيس الجميلة وعن المزيد من الحيوية. ويشعر العديد أن الحياة تمر بسرعة البرق من أمام أعينهم دون أن يكونوا طرفاً في أحداثها.
ومن لا يمتلك حديقة خاصة، يتابع فيها الأزهار وهي تنمو، فإنه يقوم باستئجار قطعة أرض تعود إلى جمعية الحدائق الصغيرة. وهي جمعيات لها تاريخ طويل في ألمانيا، إذ أنها نشأت في بداية القرن التاسع عشر، وكانت عبارة عن قطعة أرض محاطة بسياج حديدي تمنح أو تؤجر للفقراء. واستغلها هؤلاء لزراعة المواد الغذائية الأساسية.
أما اليوم فهناك في ألمانيا نحو مليون حديقة صغيرة. ورغم انتفاء الحاجة الآن إلى استغلالها لتأمين الاحتياجات الغذائية، إلا أنها لا تمنح للإيجار إلا بعد أن يقوم المستأجر بتوقيع عقد يلتزم فيه بزراعة ثلثي المساحة الممنوحة بالفواكه والخضروات.
فلماذا يصر الناس على استئجار تلك الحدائق؟
ترد الخبيرة زيلكه بورغشتيغ على هذا التساؤل قائلة: إن الناس لا يبحثون عن مكان لزراعة الخضروات بقدر ما يبحثون عن شبكة علاقات اجتماعية توفرها تلك الحدائق عبر ملاك الحدائق المجاورة. «إنها شبكة علاقات تنبثق من ذلك العالم الصغير المغلق، وهي وسيلة للابتعاد عن صخب الحياة اليومية».
وحسب إحصائيات حديثة قام نحو 9.6 مليون شخص في ألمانيا بالعمل عدة مرات في الأسبوع في حدائقهم الخاصة. كريستوف كوتاني واحد منهم، ويقوم بزراعة الطماطم والبطاطا وغيرها من الخضروات، لكن ليس في تلك الحديقة الصغيرة, وإنما في حديقة جماعية، تم إنشاؤها عند مبنى مطار تيمبل هوف المغلق في العاصمة برلين. وتعتمد على مبدأ التعاون بين المستفيدين من حق استعمال الحديقة، ويقومون بزراعة الخضروات الفواكه. ويعتني كل فلاح بخضروات جاره، لكن ليس له الحق في جمع محصوله.
وتضم العاصمة برلين حوالي 300 حديقة جماعية، يعمل فيها نحو 800 فلاح هاو. ولا يتعلق الأمر هنا بالبحث عن بديل عن حياة المدينة الصاخبة، وإنما هي طريقة «للجمع بين التناقضات» حسب ما أشارت إليه الخبيرة الاجتماعية. فليس من الضروري بعد الآن الاختيار بين المدينة والطبيعة. ومن المنتظر أن يتم تمديد مشروع الحدائق الجماعية في مبنى المطار إلى غاية 2016، علماً أن مدة صلاحيته ستنتهي بحدود العام القادم؛ بعدها سيتم افتتاح معرض دولي للحدائق عام 2017.