تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كنيسة القديس سمعان العمودي... درّة كنائس القرى الأثرية

ملحق ثقافي
2012/7/3
سورية جزء من الأراضي المقدّسة مثل القدس وما حولها، التي انطلق منها تلاميذ ورسل المسيح مبشّرين. ففي بانياس التي كانت تسمّى قيصرية فيلبّس، قال السيد المسيح لبطرس: «أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي» «متى16:18» .

كما أن رسول الأمم القديس بولس «شاؤول الطرسوسي» آمن على يد القديس حنانيا بدمشق. وكان لا بد على كل مؤمن قادم من أنطاكيا لكي يسمى مسيحياً، من أن يمر بهذه المنطقة الممتدّة بين أفاميا وحلب وحوض العاصي، حيث انتشر الإيمان والكنائس منذ بداية المسيحية. لذلك لا نستغرب وجود أكثر من 800 قرية وموقع أثري في المنطقة المذكورة تمتدّ فترة بنائها بين القرنين الأول والسابع للميلاد. بني فيها بين القرنين الرابع والسادس، فترة ازدهار المسيحية، أكثر من 2000 كنيسة في مقدّمتها درّة الكنائس المكرّسة للقديس سمعان العمودي في القرن الخامس. وكانت أنطاكيا أول كرسي لبطرس الرسول قبل روما، عاش فيها سبع سنوات يبشر وينشر رسالاته قبل أن ينتقل إلى روما. وقد دعيت أنطاكيا «تيوبوليس» أي «مدينة الله» أيام الإمبراطور جوستنيان. وبين عامي 678 و741 م وصل إلى روما 8 باباوات من الشرق، كان ستة منهم من سورية، وهم: ليون الثاني «682-683»، القديس يوحنا الخامس «685-686»، القديس سرجيوس الأول «687-701»، سيسينيوس «708»، القديس قسطنطين الأول «708-715» وغريغوريوس الثالث «731-741» . ولا يوجد في العالم منطقة بهذا الغنى في المباني التاريخية المسيحية مثل المنطقة الشمالية الغربية من سوريا والمسماة «الكتلة الكلسية».‏

في القرون الثلاثة الأولى للميلاد، أيام الاضطهادات الكبيرة للمسيحيين، وقف جمع من القديسين وقدموا أرواحهم في سبيل نصرة الدين المسيحي ومنهم: القديس جاورجيوس والقديسين سرجيوس وباخوس والقديسين كوزم ودميان والقديسة تقلا ومئات الشهداء.‏

كانت سورية سبّاقة في إنشاء بيوت الله «الكنائس» على أنواعها، بالإضافة إلى انتشار الحياة النسكية بأنواعها في كل مكان: فهناك نساك عاشوا في العراء وفي الكهوف مثل مار مارون، ومنهم من عاشوا في الأبراج، وكانوا يعملون عادة في الحقول ثمّ يلجؤون إلى البرج للمبيت ونسخ المخطوطات الدينية وسواها. ويذكر الآباء الفرنسيسكان وجود أكثر من 60 برج ناسك في جبل باريشا فقط، ويتألّف البرج من طبقة واحدة أو طبقتين يسكنها ناسك واحد، أو من عدة طبقات يسكنها عدد من الرهبان. ومن أهمّ أبراج النساك نذكر: برج قوقنايا «ويسميه الأهالي الخيمة» وبرج الحيارى قرب الدانا وبرج شيخ سليمان وبرج جرادة وبرج سرجبلا وبرج دير قصر البنات وبرج دير داحس وبرج كفلّوسين وأبراج كفر حوّار وصرفود وسرمدا وسواها.‏

وهناك نساك عاشوا حياة جماعية في الأديرة وكان منهم الساهرون «شاهوره». ومن أهمّ الأديرة الأثرية: دير قصر البنات، ودير داحس، ودير سوباط في البارة، ودير بناسطور، ودير جرادة وسواها.‏

وهناك نساك عاشوا في قمة عمود، وكان رائدهم القديس سمعان العمودي، وسموا النساك العموديين، وقد زاد عددهم على 120 ناسكاً عمودياً، كانت من بينهم راهبة تدعى ماري من بلاد البنط جنوب البحر الأسود، قلّدت النساك العموديين في القرن الحادي عشر.‏

تعد كنيسة القديس سمعان العمودي درّة كنائس القرى الأثرية وأعظمها. وكان يقصدها الحجّاج من كل مكان. تمّ بناؤها على شكل صليب حول العمود الذي عاش في قمته القديس سمعان حوالي 40 عاماً من حياته «386-459م». سبقت ببنائها كنيسة آيا صوفيا «الحكمة المقدّسة» التي بناها جوستينيان في القسطنطينية عام 537م. وكانت مساحتها 4800 متراً مربعاً، وطولها من الشرق إلى الغرب 100م، ومن الشمال إلى الجنوب 80م، وقطر قبتها المثمّنة حول العمود 28 م ، ولم يُبْنَ أضخم منها في أوروبا إلا مع الفن الغوطي في القرون الوسطى. ويذكر دو فوغويه: «إن أصول فن الرومانسك في أوروبا موجودة في مقدّمة الواجهة الجنوبية لكاتدرائية القديس سمعان العمودي».‏

وتحكي المصادر قصة سمعان العمودي على الشكل التالي:‏

في قرية قريبة من مدينة أنطاكية، عاش، قديماً، ولدٌ اسمه سمعان. كان أهله فقراء، فلم يتعلّم القراءة والكتابة. وكان أبوه راعي غنم.‏

عاش سمعان بين الأغنام. ارتبط بها برباط العِشرَة والصداقة. كان يلعب معها، يأكل معها، وأحياناً ينام بجانبها. وعندما كَبُر قليلاً صار يرافق أباه إلى الجبال والحقول. تعلّم الأصوات التي كان أبوه ينادي بها الأغنام. تعلّم كيف يعتني بها، متى يخرج بها إلى الحقل ومتى يعود. وتعلّم أيضاً كيف يختار لها المرعى الجيّد. بالمختصر، تعلّم سمعان كل شيء عن الأغنام.‏

وشيئاً فشيئاً، صار أبوه يسلّمه الأغنام ليذهب بها إلى المرعى لوحده. فرح الراعي الصغير بذلك لأنه أحسّ بأنه أصبح رجلاً كبيراً كأبيه.‏

هكذا كان سمعان يقضي أيامه عندما يكون الطقس جيداً ويكون هناك عشب في الحقل. وكلّما خرج بخرافه إلى الجبال، كان يجلس ساعات طويلة يتأمّل السماء الزرقاء الصافية، ويلاحظ الغيوم، بأشكال مختلفة، تتحرّك، على مهل، هنا وهناك. كانت الطبيعة خلاّبة. كل شيء فيها يمجّد الله: الأشجار والصخور والعصافير والفراشات... وبين الحين والحين، اعتاد سمعان أن يردّد كلمات من الكتاب المقدّس سمعها من أبيه أو من كاهن القرية. فكان يقول مثلاً: «المجد لله»، «سبحان الله»، «ما أعظم أعمالك يا رب، كلّها بحكمة صنعت». ولم يكن هناك إنسان، في الجبال، يتحدّث إليه، فكان سمعان يحبّ الهدوء ويحبّ الصلاة.‏

هكذا ساعده الهدوء والتأمّل في الطبيعة ليكون قريباً من الله.‏

وحدث، ذات مرّة، أن كان الطقس بارداً والرياح شديدة والثلج يتساقط، فلم يخرج سمعان بالخراف إلى الحقول كعادته، بل أسرع إلى كنيسة القرية لحضور القدّاس الإلهي. في الكنيسة، كان الكاهن يقرأ الإنجيل. وانتبه سمعان إلى الأقوال التالية: «طوباكم أيها الجياع الآن لأنكم ستشبعون. طوباكم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون. ويل لكم أيها الضاحكون الآن لأنكم ستحزنون وتبكون» «لوقا 6: 21، 25».‏

لم يفهم سمعان معنى هذه الكلمات. لكن، كان يهمّه أن يفهم، لأنه كان يعتبر أنّ هذه الأقوال تخصّه. أليست هي أقوال الرب يسوع موجّهة إلى كل الحاضرين وإليه هو أيضاً؟ وإذا لم يفهم فكيف ينتفع؟ كيف يعمل بموجب كلام الرب؟‏

وانتظر سمعان إلى أن انتهى الكاهن من خدمة القدّاس الإلهي، فجاء إليه وسأله عن معنى ما قرأ وكيف يمكنه أن يتمِّم وصايا الرب الإله. حدّثه الكاهن عن الرهبان وكيف أنّهم يحبّون الله ويتركون كل شيء ليهتمّوا بأمر واحد فقط وهو إتمام هذه الوصيّة: «كونوا كاملين كما أنّ أباكم السماوي هو كامل». كذلك كلّمه الكاهن عن الصوم والصلاة والتوبة.‏

تحرّك قلب سمعان لِما قاله الكاهن. كان عمره، يومذاك، خمس عشرة سنة. فركع وألصق جبينه بالأرض وراح يصلّي على طريقته ويطلب من الله أن يلهمه كيف يبدأ ليتمّم هو، أيضاً، الوصايا الإلهية. بقي سمعان يصلّي هكذا وقتاً طويلاً إلى أن نعس وغفا. وفي غفوته، رأى حلماً. رأى نفسه يحفر حفرة، لكنّه تعب وتوقّف. فسمع صوتاً يقول له: «لا تتوقّف! تابع الحفر». فعاد يحفر من جديد. فجاءه الصوت أيضاً: «عمّق الحفرة أكثر!» فبدأ يعمل بهمّة أكبر. واستمرّ هكذا إلى أن قال له الصوت: «كفاك الآن! بإمكانك أن تبدأ البناء. ولكن انتبه! إذا لم تتعب كفاية فلن تنجح».‏

واستفاق سمعان من نومه، وجلس يتأمّل في حلمه هذا، فأدرك، في قلبه، أنّ الربّ يدعوه لأن يصير راهباً مجاهداً. فقام للحال وترك كل شيء، بيته وأهله وأغنامه وأغراضه، وانضمّ إلى أحد الأديار وأصبح راهباً عظيماً وقدّيساً كبيراً.‏

هكذا شقّ القدّيس سمعان العمودي الكبير طريقه إلى القداسة، والكنيسة تعيّد له في اليوم الأول من أيلول من كل عام.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية