وللذين لم يقرؤوها أذكر أن العقعق من فصيلة الغربان، ويتمتع بطبيعة ليست فريدة على أي حال، قوامها كما ذكرت، حب الاستحواذ والخسة في التعامل مع أبناء جنسه، بحيث يقتل فرخ العقعق شقيقه من أجل الحصول على المزيد من الصيد الذي تأتي به الأم إلى العش.
طبيعة فراخ العقعق هذه تنسحب على أبناء البشر، ويقوم الآباء في بعض الأحيان على تربية أبنائهم وفق معايير معينة تعزز هذه الطبيعة التي يتمتع بها طائر العقعق غريزياً، كأن يقول الأب لابنه ناصحاً: إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب. بحيث يفترض الأب من ابنه أن يتحول إلى ذئب قبل أن يتعرض إلى خطر من ذئاب مفترضة قد لا يكون لها وجود في الأصل، فيما كان على الأب، أن يُنشئ ابنه على مبادئ التسامح والمحبة والإيثار، وهي عناوين إنسانية من المفترض أن يتميز بها البشر عن باقي الكائنات الحية.
خلال مسيرتي العملية التي تمتد لنحو أكثر من عقدين من الزمن، تعرّفت بالعين المجردة إلى أكثر من عقعق، وهي للأمانة تكثر في المؤسسات الحكومية، بما في ذلك المؤسسات الإعلامية الثقافية، ومن ذلك الأمر ما نشاهده من مؤامرات صغيرة يحاول من خلالها البعض إقصاء الآخر بوسائل غير مشروعة، وبطرق أقل ما يُقال عنها إنها لا تمت إلى الطبيعة الإنسانية المفترضة في شيء.
ومن الملاحظ في هذا الصدد، كما ذكرت في زاويتي تلك، أن القوي خسةً يستقوي على الضعيف نزاهةً، وأن الحاضر عطالة يستقوي على الغائب عملاً ومثابرة، وهو ما ينطبق على أصحاب البطالة المقنعة المنتشرين في كثير من المؤسسات، إن لم نقل كلها، بحيث تلاقت النشأة، على ما يبدو، مع مستجدات حياتهم العملية، فباتت طبيعة العقعق تشكل قوام حياتهم ومنطلقاً لتصرفاتهم وخططهم في التعامل مع الآخر، قريباً كان أم بعيداً.
المؤسف في الأمر أن هؤلاء، أشباه العقعق، كثيرأً ما يصلون إلى أهدافهم، ولو لبعض الوقت، لكن الأكثر من هذا الكثير، يرتد فيه إلى واقعه حيث تُدمى نفسه المريضة بأهوال القهر والغيظ.
ghazialali@yahoo.com "