تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المفكر البلجيكي جان بريكمون : الدفاع عن سورية دفاع عن النظام الدولي

عن موقع : Voltairenet
ترجمة
الأربعاء 4-7-2012
ترجمة: دلال ابراهيم

يُستخدم الآن مبدأ التدخل الإنساني كذريعة جديدة , لا تشوبها شائبة من الناحية السياسية لدى الاستراتيجيات الغربية المتوحشة . ولأن الامبريالية معبدة بالنيات الحسنة , يشير إلينا في تلك المقابلة التي أجريت مع المفكر البلجيكي جان بريكمون أن الدفاع عن القانون الدولي هو مسألة مبدأ ولا تتعلق البتة بتوافقنا مع تلك الحكومة أو تلك المنظمة الاقتصادية. وفيما يلي نص المقابلة:

ألقيت خطاباً لدى منظمة اليونسكو أدنت فيه مبدأ التدخل الإنساني. وعلى ما يبدو تبدي فرنسا وبعض دول حلف الناتو نيات عدوانية تجاه سورية لكي تبرر إمكانية شن حرب إنسانية ضدها . ماذا يمكن أن تفيدنا حول هذا المفهوم , ولماذا يجب الحذر منه ؟‏

فيما لو ألقينا نظرة إلى التاريخ , سوف نلاحظ أن جميع الحروب كان يجري تبريرها بدوافع الإيثار , كانت هناك الدوافع الحضارية وما يسمى ( عبء الرجل الأبيض ) .. وهتلر , على سبيل المثال , كان يتذرع بمحاربة البلشفية . وفي أعقاب الحرب , أصبح لدينا الحرب ضد الشيوعية والآن هناك ذريعة الحرب ضد الإرهاب ...الخ‏

ولكن في فرنسا , باتت الحرب تُشن الآن من أجل حقوق الإنسان أو التدخل الإنساني . وسوف أستعرض مسألة حساسة : تخيلوا أن روسيا سمحت لنفسها بالتدخل الإنساني في البحرين , على سبيل المثال . في تلك الحالة , أعتقد أننا سنتجه سريعاً نحو حرب عالمية . لن تقبل القوى الغربية تدخل دول تتمتع بقوة عسكرية بدول الشرق الأوسط كما تفعل تلك الدول الغربية بنفسها.‏

وبالتالي , إن السلام العالمي , وهو ليس مزحة , لأن تلك الحرب سوف يترتب عليها وفاة الملايين من الأشخاص , سيكون مغايراً كلياً عن السلام الذي يحدثوننا عنه حول سورية . يستند السلام العالمي على نظام دولي جرى العمل عليه بعد الحرب العالمية الثانية , ويرتكز على احترام سيادة الدول الوطنية , من أجل تفادي الواقع الذي كان قائماً قبل تلك الحرب وقاد إليها . علماً أن تدخل ألمانيا في الشؤون التشيكوسلوفاكية ومن ثم البولونية كان باسم الدفاع عن الأقليات , وهي الذريعة التي استخدمناها في كوسوفو أو مع الأكراد في شمال العراق ..الخ‏

وضمن هذا السياق , نلاحظ أن سياسة القوى العظمى كانت تتذرع دائماً بالدوافع النبيلة , وفي كثير من الأحيان تقودنا تلك الذرائع إلى حرب حقيقية . وهي بالتأكيد انتهاك فاضح للنظام العالمي المعمول فيه في أعقاب الحرب العالمية , الذي يعتبر خطوة متقدمة جداً .‏

ولذلك أملك كافة الحجج لكي أتعمق فيها . لأنني أعتقد أن العالم سيكون أفضل بكثير لو أن الدول الغربية , وبدلاً من الإنفاق على التسلح والمراقبة وطائرات من دون طيار والصواريخ , اختارت تبني سياسة سلام . وسياسة السلام هي سياسة التعاون والحوار مع الدول الأخرى , ومن بينها روسيا والصين وإيران وسورية بالطبع . وهي سياسة مستحيلة في أيامنا تلك , حتى في حال أراد أحد المسؤولين السياسيين العمل فيها . على سبيل المثال , أنا لا أعلم بماذا يفكر الرئيس فرانسوا هولاند في أعماقه . ولكن حتى وإن فكر في العمل وفق سياسة أخرى , سيكون مستحيلاً عليه بسبب وسائل الإعلام . حيث لدينا هذا القصف الإعلامي .‏

وينسحب الأمر ذاته على الرئيس اوباما . وأنا مقتنع أن الرئيس اوباما لديه فتور إزاء هذه السياسة , وبالتأكيد لديه فتور حيال سياسة نتانياهو , على سبيل المثال , ولكنه عاجز عن فعل أي شيء بسبب الإعلام والكونغرس . وفي فرنسا تباهت السيدة اوبري مؤخراً أن فرنسا أصبحت قوة عظمى على الساحة الدولية لأنها دعت إلى رحيل النظام السوري ودعت بوتين إلى التوقف عن إعاقة ما دعته الأسرة الدولية ( وهي لا تمثل , بالتأكيد , العالم بكامله نظراً لأن روسيا والصين ليسا جزءاً من تلك الأسرة ) في إرغام النظام على الرحيل .‏

والمثير للدهشة الآن أنه عندما ينظر المرء إلى ميزان القوى وإلى الأزمة التي تشهدها أوروبا حالياً وفرنسا بالذات , نرى أن الأمور أشبه بضفدع صغير يريد أن يضخم نفسه ليصبح كالثور, وأن يقول لبوتين ما ينبغي القيام به , في حين أن بوتين وبتحالفه مع الصين وإيران يشكل حركة عدم انحياز في هذه المسألة .‏

ونسأل ما الذي يمكننا فعله ؟ ثمة ناس ترى في إيديولوجية حقوق الإنسان ذريعة للحرب , ولكن من جهتي أراها سبباً للحرب , سبباً أصبح محرضاً , نظراً لأنه يجر الغرب إلى نوع من الجنون يتوهم من خلالها بالعظمة التي لا يملكها , والتي افتقدها منذ زوال الاستعمار , ومع تنامي القوى الصاعدة , ونحن نسير نحو هذا الجنون . ولا أعلم إن كنا ذاهبين لضرب سورية, ولا أعلم إن كانوا يجرؤون على ذلك , ولكننا نعمل على تسليح المعارضة في سورية لخلق الفوضى فيها خلال فترة انتقالية . ولا أعلم كيف ستنتهي الأمور .‏

بالنسبة للمقالات التي كتبتها صحيفة لوموند , أجروا من خلالها مقابلة مع الباحث البلجيكي بيير بيشيشيني الذي زار سورية عدة مرات , وكان يجري تحقيقات توصف بأنها مؤيدة للرئيس الأسد . وأنا شخصياً لا أعتقد أنه كان مؤيداً للرئيس الأسد , تحدثوا عن أكاذيب في الصحافة الغربية كشفها هناك . وخلال زيارته الثالثة إلى سورية , تم إيقافه وادعى أنهم أساؤوا معاملته وكان شاهداً على حالات تعذيب لمعتقلين , الأمر الذي أدى إلى انقلابه رأساً على عقب وأصبح من المؤيدين للتدخل العسكري , وفي حال غيّر رأيه من الأسد فهذا لا يضايقني . لأن موقفي ضد التدخل يستند على أطنان من الحجج لا علاقة لها مع النظام السوري , ولا أجد بالتالي ضرورة لخوض نقاش من أجله . ولكن بيشيشيني بدل رأيه بسبب النظام . وبالطبع لا بد من القول أنه كان متهوراً قليلاً لذهابه إلى بلد يشهد اضطرابات داخلية أو حرب خارجية والاعتقاد أنه جال على كافة الجماعات المسلحة دون أن يساوره قلق من الأمن , ولكن لنصدق ذلك . وفي اللقاء الذي أجرته معه صحيفة لوموند كانوا يسخرون منه في قولهم أنه كان ساذجاً وقد شبهوه بالشخصية الكرتونية تان تان , وقالوا أنه الآن اهتدى ورأى ضوء النهار . وضمن هذه الفورة تطرقوا إلى من دعوهم ( أصدقاءه ) وهم ميشيل كولون وأنا , ومن باب القزح الكاتب الفرنسي آلان سورال وديودونيه وروبرت فوريسون وتيري ميسان .‏

وبالتالي لدينا شبكة مؤيدة للرئيس الأسد في فرنسا , واحد فرنسي يعيش في الخارج (ميسان ) واثنان في فرنسا واثنان بلجيكيان ( كولون وأنا ) وفوريسون الذي يعمل على نزع المصداقية عن الجميع . ولذلك كتبوا مقالة عن الشبكات المؤيدة للرئيس الأسد في فرنسا بشكل سريالي , وتلك هي طريقتهم في عرض القضايا تجعل أي نقاش غير ممكن . أنا على سبيل المثال لم أذهب إلى سورية , كما ولم أكتب شيئاً عن سورية . ومواقفي كانت دوماً ضد سياسة التدخل بشكل عام . وموقفي تجاه عدم التدخل ينطبق على كوبا وفنزويلا والصين وروسيا وإيران وفلسطين وجنوب أفريقيا والتشيلي , أي ليست المسألة سورية فحسب . موقفي لا يخضع للتغيير مطلقاً .‏

هناك شخصيات خارج فرنسا , على سبيل المثال بريجينسكي وكيسنجر, وهم ليسوا يساريين وليسوا على نفس خطي السياسي أطلقوا دعوات لعدم ضرب سورية . كما ونشرت صحيفة فرانكفورتر ألمانيا زيتونغ مقالاً استبعدت فيه مسؤولية الحكومة عن مجزرة الحولة. وهذا يعني أن ثمة أصواتاً خارج فرنسا ومن وسائل الإعلام الرئيسية ومن اليمين تعارض التدخل العسكري . ولكن النقاش مستحيل في فرنسا , ولا أعرف مفكراً أو سياسياً في فرنسا كانت له وجهة نظر مغايرة عن الشرق الأوسط لأنه ستلقى عليه جزافاً تهم باطلة . إنني أحب العلمانية لدى النظام الفرنسي ولكن لا أحب الطابع الاستبدادي لدى الغالبية العظمى من وسائل إعلامهم .‏

في الواقع خطر على بالي على سبيل أن أجعل من فيلم برنار ليفي أضحوكة, في إشارة إلى أنه يعمل مخرجاً ومحارباً في الغرفة وفيلسوف في آن واحد . يطري على الحرب وفي نفس الوقت يدعي أنه مفكر . وهذا هو واقع التناقض الراهن . أنا لم أر الفيلم وليس لدي الرغبة في رؤيته . والذين شاهدوه وصفوه بأنه استعراضي لإصابته بجنون العظمة . ولكن قليل من الناس في فرنسا تستطيع انتقاده على العلن . تلك هي المشكلة في النظام الفرنسي . هناك بعض الشخصيات التي تملك موارد مالية ضخمة ( ومنهم ليفي ) ولها نفوذها القوي , ولاحظت أن الجميع يهزأ منه , ولكن الجميع تقريباً يشاطره الرأي .‏

لقد جرى استمالة الفرنسيين منذ عدة أجيال , ولذلك يصعب خوض أي نقاش مع أي جانب منهم . لقد انغرست فكرة ( دين الهولوكست ) في أذهانهم لأنهم استثمروها جيداً , وأي وضع جديد يقرنوه مع هتلر وهولوكوست جديدة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية