تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


يتعلمون من سلوكنا.. فلنكن قدوتهم ..

مجتمع
الأربعاء 4-7-2012
محمد عكروش

الطفل في تعلم دائم ومستمر ، فهو يتعلم عن الأشياء والأشخاص والأحياء والناس والعالم، ولا يعرف الطفل الصغير في السنتين الأوليتين من عمره إلا القليل عن والديه رغم أنهما يقدمان له كل ما يحتاجه من طعام وشراب ومتعة ، وإن كان يميزهما عن الآخرين ، وفي السنة الثالثة يبدأ التعرف على أمه وأبيه ..

إحساساً بنفسه وذاته‏

وللتعرف أكثر لما للآباء من دور وأهمية في تكوين الطفل فكرة عن نفسه التقينا الباحث التربوي عبد العزيز الخضراء حيث قال: (كلما شاركت ولدك في هذه المرحلة بالحديث والتجربة كلما تعرف عليك بشكل أفضل وأكثر) وما هو معروف تربوياً يحدث هذا التعرف عادة بين السنة الثانية والثالثة ، حيث يعرف أنه إنسان منفصل عن الآخرين وقادر على التفكير والاختيار ، ويستطيع اتخاذ قراره بنفسه ، ويدرك أن له سيطرة على نفسه وسلوكه وصحيح أنه لا يستطيع بعد الحديث عن هذا الأمر بكلمات وعبارات إلا أنه يبدأ يكّون إحساساً بنفسه وبذاته.‏

تختلف ردود أفعاله‏

لا بد من التوضيح أن الكثير من إحساس الولد بنفسه وذاته إنما يأتيه عن طريق معاملتك له ، صحيح أنه أخذ يدرك انه إنسان مستقل عن الآخرين ، إلا أنه لا يعرف بعد طبيعة هذا الإنسان تماماً ، ولذلك إذا قلت له أنه (( ولد جيد )) وإذا أشعرته بمحبتك له ، وبأنه هام في حياتك فإنه سيكوّن عن نفسه فكرة أنه مكرم وأن له شأناً في هذه الحياة، وبالمقابل إذا كنت تقول له بأنه سيىء أو غير جيد وإذا كنت عديم الصبر والعطف عليه ، وإذا كنت لا تشعره بالمحبة والرعاية العاطفية والجسدية ، فإنه سيفكر بأنه لا قيمة له ولا شأن ، أو أنه منبوذ وغير مرغوب فيه وإذا شكل الطفل عن نفسه صورة سلبية ، فقط تختلف ردود أفعاله وفق مزاجه وانفعالاته ، فهو إما أن يقبل هذه الصورة السلبية وبذلك ينتهي إلى الحزن والكآبة والإحباط ، وإما أن يحاول الدفاع عن نفسه رافضاً هذه الصورة السلبية ويحاول أن يحفظ اعتباره بأن يفرض عليك منحه المزيد من الرعاية والاهتمام ، وتأخذ هذه المحاولة بشكل العنف والعدوان وعدم التعاون والعصيان وكأن لسان حاله يقول : ( إنني إنسان مستقل وأنا لن أطيع رغباتك هذه ) مؤكداً الخضراء طبيعي أنه عاجز عن التفوه بهذه الكلمات ولكنه يعبر عنها بالعصيان ليحظى منك بالانتباه الذي يحتاجه للمحافظة على كيانه ووجوده، ويدفع عن نفسه الشعور بأنه مهمل أو منبوذ أو....‏

مبيناً الباحث وضمن إطار هذه الزوبعة هو حريص على صلته الحسنة معك ، ويريد منك المحبة والتقدير ، ويريد كذلك مساعدته لتشعره بقيمته ، إلا أنه مع الأسف لا يعرف كيف يحقق كل هذا ، ولا يعرف كيف يحصل على العون والمساعدة ..‏

شيء من الحدة والغضب‏

إن ما عرضناه يوضح أهمية دور الآباء في تكوين صورة الطفل عن نفسه ، لكن هل هذا يعني أننا نسلم زمام الأمور للتربية وحدها وأن لا نكون قاسياً معه في حال ارتكابه الأخطاء مثلاً؟ لايعني هذا أن عليك أن تشعر بالقلق والخوف إذا وجدت ضرورة لمخاطبة طفلك بشيء من الحدة والغضب، فلن يكون هنالك ضرر طالما يشعر بمحبتك له ، وطالما تضعه في صورة أسباب غضبك عليه، وتعود لتؤكد له بأنه هام في حياتك، وأن غضبك منه بسبب إيتائه لخطأ يجب أن يتجنبه ، ولابد أن تكون معه حازماً من أجل مصلحته ويفهم أن ما أخطأه يجب أن يقلع عنه ، وبهذا يضع الأمر في تقديراته غير المناسبة فلا يعود إليه .‏

وكيف التعامل معه إذاً ؟‏

الكلمة أداة قوية‏

إنه لهام في هذه الحالة أن تحسن اختيار الكلمات وتختار اللهجة المناسبة للتعبير عن هذا الحزم، فالكلمات أدوات قوية جداً ولها تأثير على النفوس .. فلا تصفه بأنه كذاب مثلاً أو مزعج أو كسول لأنه سيصدق قولك ويكون هذا الانطباع السلبي عن نفسه، وسيضيفها أيضاً لمفرداته وصفاته وعناصر شخصيته، وسيحملها في فكره وشعوره كما يحمل اسمه وعمره وانه طويل أو قصير وتذكر إذا حاول لسانك التفوه بها أن تمسكه وتقول: لنفسك إن وصفه بمثل هذه الصفات لن يمنعه عن القيام بهذه الأعمال التي تراها عيباً فيه ، فهو لم يصل لمرحلة السيطرة على سلوكه وأفعاله كما أنه بالتالي لا يفهم عمق معنى ما يسلك وسيستجر في سلوكه لأنه يشعر بأنه حقق إثارة ومن جهة أخرى سيشعر بأن مواصفاته كإنسان غير مرضية وهو غير محبوب.‏

فسحة لمعاودة نفسه‏

مؤكداً الخضراء المحاولة على أن تفهمه حين تلمس عيباً في تصرفاته أن العيب ليس فيه شخصياً بل في سلوكه وتصرفاته ، بهذا تبقى له فسحة لمعاودة محاسبة نفسه وتقويهما، فبدلاً من أن تقول له (أنت ولد سيىء) قل له : (إن تصرفك اليوم لا يدعو للرضا )... أعد تفكيرك فيما فعلت فستشعر بنفسك وبدلاً من أن تقول له ( أنت ولد قاسٍ ) قل له كنت قاسياً مع أخيك اليوم. لاشك أن مهمتك مساعدة طفلك على تفهم نفسه كإنسان ، ومن ثم ومن خلال هذا القبول سيبدأ بالسيطرة على سلوكه وأفعاله ، كما علينا أن نواجه مشاعرنا ونضبط انفعالاتنا حتى لا يخرج الآخرون من حولنا ولو كانوا أطفالنا..‏

نتقبله كما هو‏

لفت الباحث أيضاً أنه لا بد وأن نتقبل الطفل كما هو لنساعده على تكوين شعور حسن وإيجابي عن نفسه وهذا سيؤثر حتماً على تفاعله معنا ، ولا نتوقع أن نبني هذا البناء النفسي الكبير في يوم وليلة ، فأنتم بحاجة أيها الآباء للصبر وسعة الصدر وهدوء الأعصاب والوقت والحكمة في معالجة الأمور ، وهذا سيجعلكم في المستقبل تتمتعون بفرصة العيش الدافىء مع أولادكم ، ، فمساعدة الطفل على رؤية نفسه إنساناً ذا قيمة ، وعلى الشعور بالأمن والأمان وعلى السعي لفهم سلوكه والسيطرة عليه تعتبر من العناصر الأساسية المكونة للعلاقات الأبوية والأسرية الاجتماعية الناجحة.‏

عبارات المودة والحب‏

وبين الخضرا:إن أول درس يتلقاه الولد في الحب هو من مشاهدته حب والديه كل منهما للآخر، وأول درس يتلقاه ويرسخ في سلوكه ووجدانه احترام والديه لبعضهما وتبادلهما عبارات المودة والتفاهم دون أن يقهر أي طرف آخر .. ويعمم هذا الدرس على احترام الآخرين والاستماع لوجهات نظرهم..‏

ويتعلم أن الحوار قوة في الشخصية وثقة بالنفس وأن التهجم نقص في الشخصية وضعف بالثقة بالنفس إنهم يتعلمون من سلوكنا فلنكن قدوتهم وأنهم سيعلموننا وينتقدوننا فلتتسع صدورنا لهم ، شريطة أن لا يكون في حوارهم إساءة أو وقاحة ..‏

خالصاً بالقول : لنعلمهم حب الآخرين من محبتنا لمن حولنا والتعاون معهم في كل هوامش الخير والعطف والتضحية فنحن قدوتهم ، فإذا أحبوا الآخرين أحبهم الناس وتفاعلوا مع مجتمعهم بنفوس مرتاحة معطاءة وشعروا بوجودهم واعتبارهم فيمن حولهم.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية